»زاهدون« ولكن...
ليلى نصر ليلى نصر

»زاهدون« ولكن...

يرى المتتبع لأخبار بعض الشخصيات السياسية السورية بوضوح موجة من «الزهد» أصابت شخصيات سورية عدة في وقت واحد وبنغم واحد... «الرفاق الأخلاقيون» مصدومون، يائسون، ويريدون الاعتكاف والنأي بالنفس عن العمل السياسي السوري في ظل «خروج القرار من يد السوريين والتلاعب الدولي بنا»...

بالفعل، تدوّلت الأزمة السورية، وأصبح مجرى الحل السياسي ومكافحة الإرهاب في سورية هو التعبير الأوضح عن ميزان القوى الدولي الجديد، وعن الصراع.
ولكن عن أي صراع؟! هل هو صراع الصفقات والمصالح، واللهاث من القوى الكبرى على خط غاز هنا، وبئر بترول هناك، كما يروج «عتاة المحللين» في بحثهم عن «خفايا الأمور»؟ بالطبع لا، الصراع الدولي مرير بالفعل، وتمثله قوى دولية كبرى، ولكنه صراع بين مشروعين كما قلنا وكررنا، بين مشروع الفوضى والتدمير -الذي تقوده الولايات المتحدة-  وبين مشروع القوى الصاعدة التي تدافع بالعمق عن حقها بالتقدم، وتصد الهجوم الذي يستهدفها أولاً، وهذا ما يدفعها إلى ردع الفوضى والحريق الذي ينشره رأس المال الغربي على عتباتها، وإلى فرض مشاريع السلم وإعادة الاعتبار إلى الالتزام بالقانون الدولي على قوى التدمير المتراجعة، وفي مقدمة هذه القوى الجديدة الصاعدة روسيا والصين بالطبع.
وفي لحظة تاريخية من هذا النوع، فإن مصير الأزمات -كما في سورية- يرتبط عميقاً بمسار الصراع العالمي، ولكن هذا لا يجعل الأوزان السياسية المحلية تفقد دورها تماماً كما يشيع البعض، بل ربما على العكس، حيث تتحول هذه القوى السياسية ومشاريعها في لحظات معينة إلى عنصر مهم في شكل تجلي الصراع في سورية، وبالتالي في مصير البلاد: شكل الحل السياسي فيها، بنية الدولة القادمة، نهج إعادة الإعمار وإلخ...
واللحظة الحالية هي واحدة من هذه اللحظات، فبينما يتضح بأن الصراع الدولي يصب في اتجاه تنازلات واضحة لمشروع التدمير، بفرض تطبيق الهدن، وتسارع مسار الحل السياسي والمفاوضات، فإن دور القوى السياسية والوطنية السورية يصبح مهماً في دعم العمليات السياسية التي يفرضها ميزان القوى الدولي الجديد في آستانا وجنيف، والأهم الدخول إلى تفاصيل تطبيق القرار 2254، والاشتراك الفعال بمعركة صياغة خارطة طريق متينة لعملية الانتقال السياسي تضمن مرحلة انتقالية غير خطرة ومستقرة، وتتيح للسوريين الوصول إلى جسم حكم انتقالي توافقي، ودستور جديد، وانتخابات جدية للمرة الأولى منذ عقود، وآليات وطنية عامة لمحاربة الإرهاب.
وبالعودة إلى «الزاهدين جمعاً»، وربط هذه الظاهرة باللحظة الحالية وأهميتها، نستطيع القول بأنه في أحسن الأحوال فإن هذه الشخصيات السياسية لا تجيد السياسة، ولا تعلم مدى أهمية المرحلة الحالية، والضرورة الوطنية للانخراط السياسي الفعال فيها، أما بأسوأ الأحوال، أي باستبعاد «حسن النوايا»، فإن هذه الظاهرة في اللحظة الحالية تدل على انخراط سياسي فعّال رغم شكلها المعكتف! فالموقف السلبي من التقدم الحاصل، والعمل الضروري حالياً هو بحد ذاته موقف رافض لهذا العمل، أي موقف رافض للتهدئة ولمسار الحل السياسي ولضرورة الصياغة التفصيلية لخارطة طريق وفق القرار 2254، وهذا يعني إما رفضاً للحل السياسي ككل، أو رفضاً لقرار مجلس الأمن المدعوم روسياً- صينياً، أو بحثاً عن «مسارب» وحلول أخرى تمتلئ بها «جعبة الغرب» الراغب بالتملص من نموذج حل سياسي متين يؤمن خروج سورية من الفوضى...