حلب و«صاحب الدم».. جون كيري شاهداً
ربما يكون السوري محقاً، بأن لا يأبه بقراءة الكثير من التحليلات، المتعلقة بالألاعيب التي تجري بين الكبار في أروقة السياسة الدولية، بعد سيل الأكاذيب التي فرضت عليه، وبعد كل هذا الدم المراق في الصراع، ولكن هذا الدم ذاته، يفرض على «صاحب الدم» أن يسأل عما يجري في بعض «مواخير» صنع القرار الغربي، ولماذا لا تكف طاحونة الدم عن الدوران، وكيف أن خلافاً بين وزيرين أمريكيين، بات سبباً في إجهاض اتفاق يمكن أن يمنع إزهاق أرواح آلاف الضحايا؟
قطع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الشك باليقين، بعد اعترافه، بمسؤولية الجانب الأمريكي عن عدم تنفيذ اتفاق أيلول، الموقع عليه بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، والخاص بوقف الأعمال العدائية في سورية، وأوعز ذلك إلى انقسامات في الإدارة الامريكية، وتحديداً إلى رفض البنتاغون لتنفيذ الاتفاق، رغم توقيع الخارجية الأمريكية عليه.
ولكن الطرف الروسي كما تبين، لم يعدم الوسيلة بتمرير الاتفاق بدون الطرف الأمريكي، ألم يتم الفرز بين الجماعات الإرهابية، والجماعات المعتدلة، ألم يتم تحييد عشرات آلاف المدنيين، وإنقاذهم؟ فماذا كان اتفاق أيلول غير هذا وذاك؟ بقي أن نسأل من المسؤول عن الدماء التي سفكت – على الاقل – منذ التملص الأمريكي من تنفيذ الاتفاق، وحتى تنفيذه بغياب واشنطن..
على ذمة جون كيري، الحق على وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر، .. الاعتراف، برسم أصحاب الدم!
ربما تكون سابقة جديدة في الأزمات الدولية، أن يتكفل طرف واحد بتنفيذ اتفاق ثنائي، ويستغني عن «خدمات» الطرف الآخر، ولكن العلم، عند صاحب العلم! لا يتفاجأنّ أحد بذلك، فالقوانين الموضوعية تفعل فعلها خارج إرادة البشر، وقانون توازن القوى الجديد هو الذي كان وراء مأزق واشنطن، وافتضاح أمرها، و هو الذي أوجد الإطار الدولي الجديد للحل، وهو نفسه، سيدفع واشنطن إلى المشاركة في تنفيذ البند الثالث من اتفاق أيلول حتى يكتمل بتمامه، أي التنسيق مع موسكو في محاربة الإرهاب جدياً، والذهاب إلى الحل السياسي، وإلا، فإن باب الخروج من الملعب، هو الباب الوحيد الذي سيكون مفتوحاً أمام الولايات المفككة الأمريكية.. هل نبالغ؟.. الأيام بيننا!
على الرغم من أهمية اعتراف جون كيري، الذي جاء بمثابة صفعة على وجوه أولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لتحميل روسيا مسؤولية فشل الاتفاق، وبالتالي الإمعان في التشكيك بجدية الطرف الروسي في الحل السياسي للأزمة السورية، وتسويق بروباغندا شيطنة روسيا، بدءأً من «الهيئة العليا لمنع المفاوضات»، والطاقم الليبرالي «المستقل» في المعارضة السورية، ومروراً بـ (الأخوة) من «عربان النفط»، وصولاً إلى قلاع إمبراطورية الإعلام الغربي «رويتر، بي بي سي. سكاي نيوز..» المدججة حتى أسنانها بالديماغوجيا، والقدرة على التأثير، إلا أن الأهم من كل ذلك، كانت إمكانية تنفيذ الاتفاق دون واشنطن، وكان إيجاد الإطار البديل إذا استمرت واشنطن وأتباعها باللعب في الميدان السوري.
اجتماع « ترويكا» حل الأزمة السورية، «روسيا ايران تركية» وصدور بيان موسكو، كانت الصفعة الثانية على وجوه أعداء الحل، بدءأ من أشتون كارتر، ومن يمثل من قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، وحتى صئبان المعارضة السورية، التي ولدت من «وسخ» الأزمة.. الصفعة التالية لمن؟ الله أعلم!
جمعت كلمة لافروف في افتتاح المؤتمر الصحفي، بعد لقاء وزراء الخارجية الثلاث، بين الواقعية والمرونة، والقدرة الفائقة على تدوير الزوايا، واحتواء خلافات الشركاء في الإطار الجديد، و قبل ذلك حملت رسائل واضحة لكل من يمارس ترف إضاعة المزيد من الوقت، وفي الوقت نفسه تضمنت التأكيد على الثوابت، والقرار 2254 و جاءت دليلاً جديداً على أن «الرأسمالية الروسية» «حتى لا يزعل يسار عزمي بشارة»، مصرّة على أن تعود كل القوى « اليمينية – واليسارية - والثورية، والوطنية – والعربية – والكردية - والسنية - والشيعية...» إلى بيت طاعة القرارات الدولية، والذهاب إلى الحل السياسي جدياً، أو تغيب عن المشهد، ..زمن إضاعة الوقت والألاعيب الدبلوماسية انتهى، وبدأ زمن الأفعال الملموسة.