المشهد الكردي: نقاط على الحروف!
اللحظة السياسية الراهنة كردياً تقول:
- حرب مفتوحة على حزب العمال الكردستاني في تركيا.
- انقسام كردي في العراق حول تركيبة السلطة وأداء إدارة الإقليم، وحول الخيارات السياسية الكردية.
- تحرك عسكري كردي لافت من حيث توقيته، في إيران، بعد سبات دام ما يقارب العقدين من الزمن.
- تقدم قوات الحماية في منبج، بالتنسيق مع ما يسمى قوات التحالف، وإضافة انتصار جديد الى سلسلة انتصاراتها ضد داعش منذ ملحمة عين العرب «كوباني» وتعزيز دورها على أثر ذلك، وذلك بالتوازي مع انقسام بين القوى القومية الكردية في سورية، وصل مؤخراً الى حد اعتقال العشرات من كوادر الاحزاب الكردية، المنضوية تحت مسمى المجلس الوطني الكردي.
المشهد الإقليمي كردياً:
- سعي تركي حثيث لاعتبار حزب العمال الكردستاني وتفريعاته في سورية منظمات إرهابية مثلها مثل داعش، الأمر الذي يعني شرعنة الحرب عليه، مع محاولات ابتزاز بائسة لكل من روسيا وايران وسورية عبر الورقة الكردية في سياق استداراتها الإلزامية بالمعنى الموضوعي.
- خلاف مزمن ومتصاعد بين سلطة الإقليم وحكومة المركز في بغداد، مرشح للتصعيد في أكثر من اتجاه، مع تأكيد رئاسة الاقليم على تنظيم الاستفتاء بشأن الاستقلال.
- تنسيق إيراني- عراقي، يساهم فيه عراقياً بعض القوى الكردية- لمراقبة الحدود بين البلدين، ومنع شن هجمات من الأراضي العراقية إلى داخل الأراضي الإيرانية.
- مواجهات واسعة في مدينة الحسكة بين القوات النظامية، ووحدات حماية الشعب، بتسمياتها المتعددة، تميزت عن سابقاتها بالحدة وتنوع صنوف الأسلحة المستخدمة، بما فيها الطيران الحربي.
إن التقسيم السابق للمشهد، هو تقسيم إجرائي، يجري إيراده كما هو، بمفرداته وجزئياته، في محاولة لتقديم قراءة تجريدية لعناصر اللوحة السياسية الكردية كلها، لتبيان مفارقات الوضع الراهن وتعقيداته، وتبيان علاقتها التبادلية مع الوضع العام داخل كل بلد، طالما أن الوقائع آنفة الذكر في سياق تفاعلاتها، هي التي ستحدد اتجاه تطور القضية الكردية، والتي ستساهم بدورها في رسم مآلات عموم الوضع الإقليمي، وصولاً إلى تحديد ما يجب أن يكون، وذلك تحقيقاً لهدف أساسي، وهو: ضمان استقرار الوضع الإقليمي، ومنع تعميم الفوضى «ضرب الكل بالكل» فيه، كهدف استراتيجي معلن للدوائر الغربية الامبريالية، بعد أن عجزت أداتها «داعش» في تحقيق هذا الهدف.
وينبغي التأكيد هنا مرة أخرى على أن القضية الكردية ليست قضية الأكراد وحدهم، وأن الحلول الافتراضية لهذه القضية لكي يكتب لها النجاح، يجب أن تحقق أمرين متلازمين متكاملين معاً:
- الاعتراف بالحقوق القومية الكردية، مثل الشعوب الأخرى في المنطقة، وتجاوز السياسات السابقة المزمنة، تجاهلاً، أو إقصاءً، أو إنكاراً للوجود، وذلك حسب الظرف الملموس في كل بلد، وحسب وزن ومستوى تطور القضية الكردية في كل بلد من البلدان الأربع التي يوجد فيها الأكراد في المنطقة.
- رفض تحويل القضية الكردية، تحت راية الحقوق القومية للشعب الكردي، إلى صاعق تفجير جديد، وعامل توتير، يغطي بدخانه الأسود على مصير شعوب المنطقة كلهم، والشعب الكردي ضمناً... هل ذلك ممكن؟
بصيغة تقبل الجزم، لا يمكن تحقيق هدف من هذين الهدفين دون الآخر، فلا يمكن إنجاز الاستقرار الإقليمي دون حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، كإحدى القضايا المعلقة في تاريخ الشرق، والموروثة من فترة التقسيمات الاستعمارية، والمستمرة حتى تاريخه بمستويات متعددة. وبالمقابل، لا يمكن حل القضية الكردية، إلا في ظل وضع إقليمي مستقر نسبياً. ومن الجدير بالذكر أن تجاهل أي حد من الحدين السابقين، تحت أية حجة من الحجج، معناه الوحيد نسف الهدف الآخر في الوقت نفسه.
هل تأخر الوقت؟
يدعي البعض، من أصحاب الرؤوس الحامية، والمصابين بفيروس الانعزال القومي، من هنا وهناك، بأن الوقت بات متأخراً لمثل هذا الخيار العقلاني، وأن الأبواب باتت مغلقة. ولكن قليلاً من التبصر، وفهماً صحيحاً للوضع العالمي والإقليمي، وطبيعة المنعطف الدولي الراهن، والاتجاه العام في تطوره، يعطي الحق في التأكيد على عكس ذلك تماماً، بمعنى أن الظرف الراهن بالضبط، هو الوضع المناسب لتحقيق هذه المهمة التاريخية النبيلة.. لماذا؟
- إن هذا الخيار يتوافق مع اتجاه التطور التاريخي الموضوعي، ويعكس في العمق وحدة مصير شعوب وبلدان المنطقة بحكم انتماءها، بنية جغرافية سياسية اقتصادية واحدة.
- إن هذا الخيار يعكس المصالح العميقة لمصالح شعوب المنطقة، بل بات لسان حال القاعدة الشعبية العريضة بتلاوينها كلها، لجهة ضرورة تجاوز حالة التوتر المزمنة في هذه المنطقة التي تستنزف على مدى قرن من الزمن.
- إن هذا الخيار يتوافق مع ميزان القوى الدولي الجديد، ويتطابق مع توجه القوى الدولية الصاعدة، بضرورة حل بؤر التوتر المزمنة.
هوامش
أولاً- إن الخلاف مع النخب القومية الكردية، وبعض خياراتها السياسية يجب ألا تستخدم كحجة لاستمرار إنكار الحقوق القومية الكردية.
ثانياً- إن الخلاف والتناقض مع سياسات الأنظمة الحاكمة، والنخب السياسية التي تنتمي للقوميات العربية والإيرانية والتركية، يجب أن لا توظف باتجاه نسف المشتركات بين شعوب الشرق. بمعنى آخر من الضروري إخراج القضية من ساحة التجاذب القومي، سواء كان من قبل أصحاب النخوة الوطنية الطارئة الذين يتباكون على السيادة الوطنية والوحدة كلما أتى أحدهم على ذكر الحقوق الكردية، أو البسطاء والجهلاء الذين يمنّون النفس بالاستفادة من الوجود الأمريكي في المنطقة، وبناء أشباه دول وكيانات لا تتوفر لها فرص البقاء، إلا تحت حماية هذه الدولة أو تلك، وتكون أداة ابتزاز غربية، يجري استخدامها لمزيد من الفوضى وخلط الأوراق في المنطقة.
ثالثاً- إن الإقدام على أية مغامرة، بناءً على أوهام القوة المستمدة من التضليل الأمريكي الغربي، وفي ظل اضطراب إقليمي، وفي ظل انقسام كردي واضح، ما هو إلا هروب إلى الأمام بعد أن سدت الأبواب أمام الخيارات السياسية البائسة، ودخول في حقل الألغام.