هل تسير ألمانيا نحو العسكرة؟ لماذا؟

هل تسير ألمانيا نحو العسكرة؟ لماذا؟

رزحت ألمانيا فترة طويلة، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تحت عقوبات دولية فرضت عليها سقوفاً متدنية جداً في مسألة التسليح. إلا إن النظر إلى الدور الألماني اليوم، الذي يبدو أنه متجه نحو زيادة التركيز على عملية العسكرة، تفتح باباً للتساؤلات حول خلفيات هذا التسلح، وخلفيات الدور الذي تلعبه الدولة الألمانية في إطار حلف شمال الأطلسي.

برزت خلال الأسابيع الماضية مؤشرات عدة قد تكون دليلاً على ازدياد الميل الألماني في اتجاه العسكرة، ومنها عاملان أساسيان: الأول، هو اضطلاع ألمانيا بدورٍ رائد في تنفيذ قرار حلف شمال الأطلسي «الناتو» بنشر أربع كتائب عسكرية على الحدود الغربية لروسيا الاتحادية، أما القديم الجديد، فهو الزيادة في الانفاق العسكري داخل البلاد، حيث تؤكد المعطيات إن الحكومة الألمانية تدرس حالياً مسألة رفع الانفاق العسكري في البلاد إلى 2% من ميزانية الدولة، وتعزيز قوام القوات الألمانية بنحو 20 ألف عسكري على مدى السنوات السبع المقبلة، وذلك في ضوء «مطالب حلف الناتو».

في محاولة تفسير هذه المؤشرات، يبرز رأي يميل إلى القول بأن عملية العسكرة الألمانية إنما تأتي في سياق المواجهة مع روسيا. نعتقد بالمقابل، أن هذا التفسير ليس حقيقياً، بل هو تفسير شكلاني وسطحي.. في عمق المسألة، فإن اتجاه ألمانيا للخروج من القيود العسكرية التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وما يرافقها من زيادة في الإنفاق العسكري، تعود في الجذر إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد في سياق الأزمة الاقتصادية الحالية للمنظومة الرأسمالية ككل، والتي تدفع بشكل موضوعي نحو زيادة الإنفاق العسكري، وزيادة العسكرة بوصفهما أدوات للانتعاش الاقتصادي. يضاف إلى ذلك الضغوط المتعلقة بالعلاقات الألمانية- الأمريكية، وحالة عدم الاستقرار الأمني في أوروبا عموماً.

إن عملية العسكرة الألمانية، بما تحمله من رفع للوزن الألماني دولياً، هي في الجوهر نقطة تقاطع مصالح بين التيارين السائدين في ألمانيا، والمختلفين فيما بينهما حول الإجابة على السؤال المركزي في إطار التغير الجاري في موازين القوى الدولية: بين القطب الروسي- الصيني، والقطب الأمريكي، إلى أي اتجاه تميل ألمانيا؟

تتقاطع «النخبة البرجوازية» للتيارين المذكورين آنفاً في ضرورة خروج ألمانيا من السقف الذي فُرض عليها بعد الحرب العالمية الثانية. وبناءً على ذلك، لا يغدو تفسير الميل الألماني باتجاه زيادة حضور البلاد عسكرياً محدوداً بردّه إلى «المواجهة مع روسيا»، بل قد تكون هذه العملية سائرة في الاتجاه المعاكس تماماً..!

آخر تعديل على الأربعاء, 13 تموز/يوليو 2016 17:45