لمصلحة من إحياء أشباح جنيف2؟

ذهب بعض المحللين السياسيين في تفسيرهم لما يجري في جنيف 3 إلى التركيز على الطرحين المتناقضين والمتشددين لوفدي الحكومة ومنصة الرياض ولكنهم أغفلوا تصريحات دي مستورا الأخيرة.

تصريحات دي ميستورا وتحديدا قوله بأن «المفاوضات مستمرة بمن حضر»، وهؤلاء الـ«من حضر» هم المعارضات المفاوضة عن منصات موسكو وأستانا والقاهرة وغيرها.

وتركز الآراء المختلفة تحديدا في تفسير الوفدين منهما لموضوعة الجسم الانتقالي المذكورة في بيان جنيف (30 حزيران 2012)، والواردة بصيغ أخرى في وثائق دولية عدة خاصة بالأزمة السورية.

ويغفل هؤلاء جانب تعدد منصات المعارضات الذي تم إقراره ضمن نص القرار 2254، وليس مأخوذاً بعين الاعتبار.. والقرار قد مضى على صدوره أكثر من أربعة أشهر، وبات مستغرباً وغير مفهوم تناول الأزمة السورية دون الوقوف عنده بتفاصيله المختلفة.
إنّ إغفال مسألة تعدد المعارضات يعني تحويل جنيف3 إلى جنيف2، وإنّ الإصرار على إحياء أشباح جنيف2، بطريقته الاحتكارية في تمثيل المعارضة، هو في جوهره، وبغض النظر عن حسن النوايا وسوئها، إصرار على تكرار الفشل الذي جرى في جنيف2 كنتيجة منطقية لطبيعة الوفدين المشاركين فيه، وطبيعة مطالبهما وبرامجهما.
إنّ بين المؤتمرين عدداً كبيراً من الفروقات على مستويات عدة، دولية وإقليمية وداخلية سورية، وعلى رأس هذه الفروقات:
أولاً، التوازن الدولي الجديد الذي غدت فيه واشنطن أضعف وأقل حيلة مما كانت عليه. هذا التوازن متحرك باتجاه واضح وثابت، وخلال العامين الماضيين غذّ سيره قدماً في الاتجاه ذاته، فمجموعة «بريكس» بدأت بالخطوات الملموسة باتجاه تحويل وتغيير النظام المالي العالمي بأسره، ولم ينفع في كبح روسيا وإخضاعها، لا حرب النفط، ولا العقوبات، ولا المسألة الأوكرانية. وكذلك فإنّ الصين هي الأخرى لم تنفع معها شتى محاولات إثارة الشغب عسكرياً واقتصادياً على تخومها وفي مياهها..
ثانياً: التوازن نفسه، تم تظهيره لا اقتصادياً وسياسياً فقط، بل وأيضاً على المستوى العسكري من باب محاربة الإرهاب، فتحالف واشنطن الدولي واقع اليوم في حرج ما بعده حرج جراء الدخول الروسي المباشر والفاعل والجدي على خط محاربة الإرهاب، وتحقيق ذلك الدخول نتائج كبيرة لا تخطئها العين السليمة ولا حتى العين المعيبة، كذلك إلزام الجميع باتفاق «وقف الأعمال العدائية» الذي لا يزال سارياً رغم المحاولات المستميتة لإنهائه، هذه المحاولات التي تقف خلفها تلك الدول الإقليمية الممانعة لتحجيم تدخلها في الشأن السوري.
ثالثاً: التوازن الدولي ذاته، انعكس دولياً ثم اقليمياً، بتوقيع الملف النووي الإيراني، بما حمله هذا التوقيع من تغير كبير في مجمل منطقة الشرق على مستوى التوازنات والأدوار الإقليمية، بالتوازي مع عملية تحجيم وتقليم أظافر تركيا والسعودية التي قطعت أشواطاً هامة حتى الآن، وكان اجتماع ميونخ 11/شباط  نقطة علاّم في عملية التقليم هذه كما أوضحت افتتاحية العدد 745 من جريدة قاسيون.
رابعاً: في الأزمة السورية نفسها، فإنّ التوازن العام وانعكاساته الإقليمية، تمت ترجمتهما بكسر أحادية تمثيل المعارضة التي كانت بيد «الائتلاف»، وصولاً إلى تمثيل متعدد معترف به بقرار مجلس الأمن 2254، وهو ما من شأنه أيضاً قطع الطريق على المتشددين والمتطرفين وتجار الحروب المتسربلين بعباءات النظام السوري والذين لا مصلحة لهم في حل الأزمة، ومن شأنه أن يمنعهم من الاستفادة من تطرف وتشدد الطرف الآخر.