الفساد يتحالف مع «داعش»: كلنا ضد الناس في دير الزور
ثلاثة عشر شهراً، هي مدّة الحصار الذي ينفّذه «داعش» على أكثر من مئة وخمسين ألف مدني في دير الزور. يُضاف إلى ذلك الفساد الذي ضاعف من معاناة الناس في المدينة، مُعيناً «داعش» على نخر مختلف قطاعات الحياة
الفساد الذي ينخر في مدينة دير الزور ساهم في زيادة وطأة الحصار الذي يفرضه «داعش» على أهالي الأحياء المحاصرة في المدينة. يكاد الأمر يُحوّل معاناتهم، التي بدأت تتفاقم مؤخراً، إلى مأساة حقيقية، خاصة بعد تقدم «داعش» في القسم الغربي من المدينة وسيطرته على قرية عياش ومستودعاتها، إضافةً إلى معبر البغيلية الذي كان يُعتبر متنفساً للأهالي يستعملونه لتهريب بعض المواد عن طريق نهر الفرات.
سقوط عياش يعني أيضاً خسارة الأراضي التي كانت تزرع بالبقوليات، فاقتصر الموجود حالياً على ما تبقّى من مخازن التجار في المدينة.
يُساعد «داعش»، الذي أراد إخضاع الناس في الأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش من خلال محاصرتهم، الكثير من الفاسدين على زيادة مآسي الحصار من دون رقيب. الحكومة السورية التي تسعى لتأمين احتياجات المحاصرين، لم تؤدّ حتى الآن الدور المطلوب منها من أجل تعزيز صمود المحاصرين في المدينة.
الحديث المُنتشر بين الأهالي هو أنهم «منسيون. وزراء الحكومة يخافون على أنفسهم وتزعجهم أصوات المروحيات التي تنقل الجنود السوريين، شهداء وجرحى أو مؤازرين لرفاق السلاح في المدينة». يزيدون بأنّ «أرواح المسؤولين أغلى من أرواح من يجوعون في سبيل أن تبقى راية سوريا مرفوعة في دير الزور». بالنسبة إلى الأهالي، إرسال ألف سلة غذائية بيعاً لا يسد 1% من حاجة الناس في المدينة. مثالٌ على ذلك، أحد العجزة الذي خارت قواه جوعاً. لم يتمكن الرجل من الحصول على أي شيء من هذه السلال، فأكل الدود جزءاً من قدميه. مرّت ثلاثة أيام ولم يظهر، فاستفقده الجيران. أسعفوه محمولاً على عربة بيع الخضر إلى مستشفى حيّ الجورة، بعد أن خلعوا باب منزله. روحه لم ينعشها سوى «السيروم» الطبي، لا السلل الغذائية.
محافظ المدينة محمد قدور العينية هو المشرف على العمل الاغاثي. وهو يستخدم صلاحية المنظمات الإنسانية الحكومية، لا سيما الهلال الأحمر السوري الذي حوّلت معظم مهماته للعينية، كونه رئيس اللجنة الفرعية للإغاثة. يُسيطر المحافظ على دور المنظمات الانسانية بسبب موقعه والسلطات المعطاة له، وبالتالي دور الهلال الأحمر هو تنفيذ خطة لجنة الإغاثة (التي يرأسها المحافظ) بتوزيع المساعدات وفق الجداول المعدّة مسبقاً. لذلك، يشكو الأهالي من توزيع غير عادلٍ في معظم الأحيان.
أم نور، موظفة حكومية، تقول إنّ «المساعدات توزّع كما يريد المقرّبون من المحافظ، بما فيها مواد التخزين والتسويق ومواد المؤسسة الاستهلاكية التي تباع بالأسعار النظاميّة». تضيف السيدة أن البعض «ينال حصّة في كلّ مرّة توزع فيها المساعدات، والبعض الآخر يتأخّر دوره شهوراً. الأمر بحاجة إلى الرشاوى والعلاقات الشخصية».
من جهته، يُؤكد المحافظ في تصريحاته «أن المساعدات لا تسد الحاجة، ولكن التوزيع يتم بعدل ووفق آلية واضحة ومن خلال البطاقة العائليّة».
هناك أيضاً المساعدات الروسية التي ألقيت فوق المناطق الآمنة في المدينة والتي لم تسلم من النهب، فقد ضُبط خمسة من متطوّعي الهلال الأحمر يسرقون عدداً من السلال التي أُلقيت جواً، أثناء محاولتهم بيعها في السوق. ويشكو سكان المدينة من سطوة المسؤولين وحاشيتهم وسماسرتهم على العدد الأكبر من المساعدات، فأصبح الفقير آخر من ينال هذه المساعدات. يُضاف اليها سطو أصحاب النفوذ في المدينة على المساعدات الحكومية والروسية وتلك التي تصل عبر المعابر النهرية، وبيعها عبر التجار.
لم يوفر محمد وسيلة للحصول على عقد لثلاثة أشهر في المحافظة ليسدّ جوع أولاده، «حتى هذه الوظيفة لثلاثة أشهر تحتاج إلى وساطة، وهي ليست موجودة». ويقول إنّ الذين لا يملكون وظيفة حكومية «نادراً ما ينالون المساعدات والمواد. وفي ظلّ هذا الحصار، لا نستطيع أن نمارس مهنة أخرى». بأسى يتحدث محمد عن أفكاره بـ«دفن زوجتي وأولادي الثلاثة لنرتاح جميعاً من العذاب الذي نعيشه».
معبر البغيلية النهري الذي كان التجار يستعملونه لتهريب المواد، سيطر عليه بعض المقاتلين المحليين. استغل هؤلاء الأمر للاستيلاء على المساعدات وبيعها في السوق بأسعار مضاعفة، لا سيما الدخان. وصل الفساد إلى حدّ المتاجرة بالسفر، على الرغم من عدم وجود دليل لدى الجهات الأمنية والعسكرية. إلا أنّ الأهالي يؤكدون أنّ قسماً من الذين يستقلون المروحيات للسفر، يدفعون للسماسرة مبالغ تتراوح ما بين 100 و300 ألف ليرة. في هذا الإطار، يقول مصدر عسكري لـ«الأخبار» إنه «تمّ ضبط ختمين عسكريين مزوّرين بحوزة أحد الأشخاص الذي كان يبتزّ المواطنين ويُزوّر موافقات السفر، مقابل مبالغ مالية»، مضيفاً أنه «لا يمكن لمروحية تحمل أقل من 2 طن أن تنقل جميع الراغبين في السفر. لذلك نُظّمت جداول عبر تقديم الطلبات إلى قيادة الشرطة، ويتم ترتيب الأسماء بحسب الإمكانية المتوافرة». لا ينفي المصدر«وجود حالات فساد بسبب تعدد الجهات المعنية بالسفر»، إلا أنّ الجهات الأمنية تسعى إلى ضبطها، كما يقول. كذلك فإن المعبر «كانت تُصادر منه يومياً كميات كبيرة من المواد وتُباع في الصالات الاستهلاكية المتعددة في المدينة. لا يمكن أن يكون هناك رقيب على الجميع».
نقل أوجاع الناس ومعاناتهم عبر القنوات الإعلامية، القليلة، الموجودة في المدينة، لا يرضي بعض المسؤولين في المدينة. فقد رأى أحد المسؤولين أنّ «نقل ظروف الحصار لا يخدم إلا الدواعش»، مُهدّدا بأنّ «من يعمل على نشرها عبر الإعلام سيُحاسب». وبالفعل حوسبت إحدى الوسائل الإعلامية، ولكن لم يُحاسب مُطلق التهديدات، وهو أحد المشرفين الرئيسين على توزيع المساعدات.
المصدر: صحيفة الأخبار