أمريكا تتبنى الرؤية الروسية حيال الحل في سورية
حسين محمد حسين محمد

أمريكا تتبنى الرؤية الروسية حيال الحل في سورية

 يُعقد الجمعة في نيويورك الاجتماع الوزاري لـ "المجموعة الدولية لدعم سورية" بهدف دفع الحوار حول تطبيق مقررات اجتماعات فيينا وتحويلها إلى قرار ملزم في مجلس الأمن الدولي.

وصول المساعي الروسية الأمريكية إلى مستوى إصدار قرار دولي ملزم بشأن سورية، يعني أن العاصمتين متفاهمتان على المسائل الأساسية في سورية، وأن التباينات المتبقية لا ترقى إلى مستوى الخلاف، بعدما خيمت خلافات بين الطرفين الأسبوع الماضي عقب مؤتمر الرياض، حيث وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نقدا قويا للولايات المتحدة بالتزامن مع إشارات رفض لاختيار نيويورك مكانا لعقد اجتماع المجموعة الدولية.

لكن لقاءات كيري مع قادة الكرملين، وتصريحاته بشأن نتائج مؤتمر الرياض فيما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد أراحت الروس: "موقف مؤتمر الرياض غير مرتبط بالمفاوضات بالتأكيد.. ويجب التركيز الآن ليس على خلافاتنا في شأن ما يمكننا أو ما لا يمكننا فعله على الفور بخصوص بشار الأسد.. السوريون هم من يقرر مستقبل سورية "، قال كيري.

يشكل الموقف الأمريكي هذا أول ضربة لمؤتمر الرياض حول عقدة الأسد، لتبقى مسألة تمثيل المعارضة في مفاوضات جنيف المقبلة، وهي النقطة التي ستكون مثار بحث على طاولة المجموعة الدولية، إضافة إلى مسألة تصنيف المنظمات الإرهابية التي كلف الأردن بوضعها.

ويسعى البعض في الجانب الروسي، وفق مراقبين، إلى ضم قوى أخرى إلى وفد المفاوضات الذي أقر من جانب واحد (السعودية)، ومن هذه القوى جبهة التحرير والتغيير بزعامة قدري جميل، وإن كان الروس لم يطلبوا ذلك بشكل صريح، في حين طلبوا صراحة أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم في صفوف وفد المعارضة، حسب ما أعلنت وكالة الإعلام الروسية نقلا عن أليكسي ميشكوف نائب وزير الخارجية الروسي "روسيا تعتقد بأنه يجب ضم الأكراد السوريين إلى أي محادثات سلام سورية مستقبلا".

وهذه نقطة خلاف على ما يبدو بين العاصمتين، فحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مرفوض من قبل أغلبية المعارضة، وعلى رأسهم الائتلاف بسبب قربه من نظام الحكم في سورية، فضلا عن أجندته الكردية التي تتعارض مع نتائج مؤتمر الرياض، والأهم من كل ذلك أن أنقرة تضع فيتو على مشاركته، وهنا تجد الولايات المتحدة نفسها واقفة بين جبهتين متعارضتين، روسيا من جهة وحلفاؤها من جهة ثانية.

وأغلب الظن أن يتم حل المسألة عبر صيغة وسط، بضم "قوات سورية الديمقراطية" إلى وفد المفاوضات كفصيل عسكري حقق نجاحات مهمة في الآونة الأخيرة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهي قوة تضم عربا وأكراد، وإن كان المكون الثاني أكثر حضورا فيه، وكان صالح مسلم طالب بمشاركة هذه القوة في اجتماع الرياض، إلى جانب حضور حزبه.

أما المسألة الأخيرة التي تتطلب معالجة غدا، فهي الفصائل التي يجب إدراجها ضمن قائمة الإرهاب، وقد طلبت واشنطن من عَمّان تأجيل البت في هذه المسألة إلى حين انتهاء اجتماع مجموعة العمل الدولية غدا، للنظر في هذه المسألة، وتشكل هذه المسألة نقطة خلاف رئيسية ليس بين موسكو وواشنطن، وإنما بين موسكو والمثلث الإقليمي (الرياض، الدوحة، أنقرة).

وفيما منحت الرياض شرعية لبعض الفصائل المسلحة (أحرار الشام، جيش الإسلام)، بدأ الخطاب السياسي الروسي في الآونة الأخيرة يقترب من موقف دمشق، في اعتبار كل من يحارب الجيش السوري هو فصيل إرهابي، باستثناء "الجيش السوري الحر" وما تم وصفه بالمعارضة السورية الوطنية المسلحة، في وقت يميل الموقف الأمريكي نحو الغموض حيال هذه المسألة، ولا يعرف حتى الآن ما هي الصيغة التي ستتفق عليها الأطراف غدا.

الموقف الأمريكي أقرب إلى الموقف الروسي حيال مجمل هذه القضايا، فواشنطن ليست بصدد إسقاط منظومة الحكم في سورية، وهو ما عبر عنه كيري صراحة: "الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يسعون إلى ما يسمى تغيير "النظام السوري"، وليست بصدد المضي قدما مع حلفائها الإقليميين لجهة رفع وتيرة الصراع العسكري والدخول في مواجهة مع الروس، فالأولوية الآن لمحاربة داعش".

لقد وجدت الولايات المتحدة في التدخل العسكري الروسي فرصة مهمة لدفع رياح التسوية، فالمطلوب تدمير "داعش" و "جبهة النصرة" مع إضعاف الفصائل الإسلامية المدعومة إقليميا، مقابل تخفيف حالة الميليشيات المدعومة من الطرف الآخر، وإطلاق مسيرة سياسية تبقي على نظام الحكم في المرحلة الانتقالية، قبل أن يتم تشكيل نظام حكم جديد، يكون مغايرا عن النظام السابق من جهة، ولا يقطع معه من جهة ثانية، وهذه المهمة التي فشل الأمريكيون فيها طوال السنوات السابقة، ويبدو أن الروس هم من سينجح في تحقيقها، وهذا ما يفسر تبني الولايات ليس للمطالب الروسية فقط، بل أيضا دعم الجهود الروسية السياسية والعسكرية على السواء.

بكل الأحوال، يشكل خروج قرار أممي ملزم مدعوم من موسكو وواشنطن، خطوة جديدة في مسار الأزمة السورية، من شأنها أن تضع اللبنة الأولى على مسار الحل السياسي، بغض النظر عن مواقف الفرقاء الإقليميين.