«NDB» ينطلق.. ضربات ومنافسة وتجارب للتعميم
شهدت مدينة شنغهاي الصينية يوم الثلاثاء 21/7/2015، افتتاح «بنك التنمية الجديد» ((NDB، برأسمال يبلغ 100 مليار دولار أمريكي. وهو البنك الذي قررت دول «بريكس» إطلاقه في قمتها السابعة التي أقيمت بمدينة «أوفا» الروسية. ويتخصص هذا البنك بالاستثمار في مشاريع البنى التحتية في هذه الدول، بالإضافة إلى الدول النامية.
يعدُّ الإعلان عن افتتاح بنك التنمية الجديد، واحداً من التجليات الجديدة التي تؤكد على حقيقة التراجع الذي أصاب منظومة القطب الواحد عالمياً، لصالح التعددية القطبية التي ستكون إحدى أهم مميزات المرحلة التي نعيشها.
الولايات المتحدة تتلقى الضربات
يفسح التراجع الأمريكي المتسارع المجال لهامش أوسع للحركة في العالم، وتبدو دول «بريكس» قادرةً على قراءة هذا التراجع والتعامل بمقتضاه، وبالتالي توجيه ضربات قوية متتالية للقطب المتراجع، الذي يزداد عجزه يوماً بعد يوم عن صد أو حتى تأخير هذه الضربات.
في هذا السياق، يشكِّل البنك الجديد للاستثمار في البنى التحتية منافساً جدياً على المستوى العالمي، مواجهاً للقطب الأمريكي وقيوده، وهذا ما كان يعد من «محرمات» حقبة القطب الواحد سابقاً. غير أن المعادلة اختلفت اليوم، وفرضت الأوزان الدولية الجديدة نفسها على المشهد العام، وهذا ما يضع الأساس للاستغناء عن الدولار بوصفه عملة احتياطية مسيطرة في التبادلات الدولية، وبين دول «بريكس» نفسها، ليحل مكانه إما العملات الوطنية المحلية– وصل التبادل بين روسيا والصين بغير الدولار إلى 25% - أو عملة احتياطية جديدة مدعومة بالذهب، تقوم بطرحها دول «بريكس»، كما تدل بعض المؤشرات، ولكن هذا سيأخذ وقته المطلوب موضوعياً.
المنافس الجديد أسرع نمواً
لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تحقق نسب نمو ملحوظة- وبعض الإحصاءات تدل على نمو سلبي- ما يجعل منافستها مع القطب الجديد، المتمثل اليوم بدول «بريكس» شبه محسوم لصالح الأخير، لا سيما أن هذه الدول هي الأسرع نمواً في العالم، وتملك الإمكانيات اللازمة للعب دورٍ أكثر حيويةً من الولايات المتحدة، قائماً على التكامل بين دول المجموعة والدول النامية الأخرى في العالم، لا سيما في أوراسيا.
حسب المعطيات سيكون بنك «الاستثمار في البنى التحتية» الجديد قادراً على حل مشكلة التمويل التي تعاني منها العديد الدول النامية، التي أصبح بإمكانها اعتباراً من العام القادم الحصول على التمويل الكافي، والتخلص بالتالي من قيود المؤسسات المالية الدولية المهيمن عليها أمريكياً.
تجارب ناجحة يمكن تعميمها
تجربة ناجحة واحدة مثل «بريكس» يمكن لها أن تعمم، إما من خلال تشكيل تجمعات جديدة على المستويات الإقليمية، أو من خلال أن تأخذ المؤسسات والتجمعات القائمة استقلالاً عن واشنطن، بما يضمن لها تحقيق مصالحها الاقتصادية التي فرض البيت الأبيض عليها العمل بعكسها، خصوصاً مع احتدام أزمتها. وهذا ما سبق وأخذت بوادره بالظهور خصوصاً في أمريكا اللاتينية، وتحالف «آلبا» القائم فيما بينها.
في هذا السياق، أكد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في لقاءٍ متلفز مع فضائية «تيليسور» أن: «الرئيس (الراحل هوغو) تشافيز كان قد طرح فكرة أن تنشئ كتلة ألبا بنك الجنوب، وهي فكرة مشابهة لفكرة بريكس إلى حد بعيد، لكن الفكرة واجهتها بعض العراقيل البيروقراطية التي كانت موجودة لدى بعض دول الكتلة.. لكن الظرف اليوم مختلف، وباتت الفرصة متاحة لإعادة طرح المشروع.. هذا البنك، بإمكانه أن يسهم على المستوى العالمي بزيادة البدائل للمؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحادات الإقليمية التي تعمل بأمر من واشنطن أو بتأثير منها».
تكامل بين «ALLB» و«NDB»
أنشأت الصين البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية «ALLB» في تشرين الثاني من عام 2014. وخلال افتتاح بنك التنمية الجديد «NDB»، أكد وزير المالية الصيني، لو جي وي، أن المصرفين سيكمل أحدهما الآخر، وسيزيدان من التعاون الثنائي الهادف إلى زيادة التطوير في البنى التحتية الإقليمية والعالمية، مضيفاً: «تجدر الإشارة إلى أن تمويل هاتين المؤسستين هو خطوة مهمة من اقتصادات نامية لتنشيط البنية التحتية العالمية، وإعادة تشكيل نظام عالمي للإدارة الاقتصادية». وفي حديث للصحافة، أدلى أحد أعضاء الوفد البرازيلي في مجلس أعمال «بريكس»: «غالباً سيكون الطلب على التمويل أكبر من الإمكانيات المتوفرة، خصوصاً مع وجود مشاريع كبرى في البنى التحتية، لهذا سيكون من الضروري في بعض الأحيان وجود مجموعة من البنوك».
نحو استكمال المهمات محلياً
يرسي العالم متعدد الأقطاب دعائمه يوماً بعد يوم، وإن كانت دول بريكس قد أخذت تصعد من سرعة خطواتها للعب الدور النوعي في مناطق حيوية من العالم، خصوصاً في أوراسيا، فإن ذلك يتطلب من الدول الواقعة في هذا الفلك أن تستكمل المهام الملقاة على عاتقها في تحقيق النمو والازدهار، اللذين يتطلبان استقراراً عالياً واهتماماً جدياً في مجالات البنية التحتية وتقوية القطاعات الحكومية، بما يفضي إلى الإجهاز على منطق التبعية والتنكيل بدور الدولة الذي كان سائداً في مرحلة الهيمنة الأمريكية.