«المحاصصة» لا تقيم وحدة
لم أكن يوماً، ولست اليوم، ممن يرون أن وجود العرب في الكنيست يمكن أن يخدم أي قضية من قضاياهم، سواء كانت وطنية أو اجتماعية، بل على العكس كنت، وأنا اليوم، أرى أن ذلك سيخدم أكذوبة «إسرائيل الديمقراطية»، ويجعل من مجمل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني بمجموعه مجرد «مخالفات» تقع في كل الدول الديمقراطية، وتجد حلها بأساليب «إسرائيل الديمقراطية»! لذلك، فإن غرض هذا المقال هو التأكيد على هذا الرأي من خلال التوقف أمام بعض المغالطات التي جرت مجرى الحقائق في إطار الحديث عن «سابقة تاريخية» تحققت بعد مفاوضات ماراثونية، باتفاق أربعة أحزاب عربية في الداخل الفلسطيني على تشكيل "قائمة واحدة" تخوض بها انتخابات الكنيست العشرين، التي يفترض أن تجري يوم 17 آذار 2015.
بداية، إن إطلاق "الوحدة" على ما جرى ليس دقيقاً، لأن ما جرى لم يكن "وحدة"، بل اتفاق على تشكيل قائمة واحدة، مع احتفاظ كل حزب برؤيته الأيديولوجية وبرنامجه السياسي . ودارت المفاوضات حول عدد المرشحين وأماكنهم، وحتى الساعة الأخيرة كان يمكن أن تفشل بسبب الخلافات على الحصص . كما كان الدافع الوحيد لتشكيل القائمة خوف الجميع من أن يؤدي رفع نسبة الحسم من 2 إلى 25 .3% إلى خروجهم أو معظمهم من المعركة . بعبارة أخرى، جاءت المفاوضات خوفاً من خطر داهم مشترك، وتم الاتفاق على أساس "المحاصصة" التي لا تقيم وحدة ولا تصنع اتحاداً! فالوحدة والاتحاد يقومان على أساس الاندماج، أو على الأقل على أساس الاتفاق على برنامج سياسي واحد، وضمان دخول الكنيست لا يشكل برنامجاً، ويسقط كبند في برنامج بمجرد انتهاء الانتخابات!
لقد رأى البعض في نجاح تشكيل القائمة الواحدة "سابقة تاريخية"، وربما تكون كذلك بمعنى أنه لم يتقدم أنصار المشاركة في انتخابات الكنيست بقائمة واحدة من قبل . لكن السابقة التي تستحق صفة "تاريخية" يجب أن يترتب على حدوثها "تغيير" ما، يمتد ويستمر لما بعد حدوثها . فهل سيترتب على سابقة "القائمة الواحدة" أي تغيير؟ البعض الآخر، اعتبرها "بشرة خير"، من منطلق التفاؤل الذي لا يقوم على أساس . فمن الذي يضمن ألا تعود هذه الأحزاب إلى "قواعدها" بعد أن تحقق الهدف الوحيد الذي "توحدت" على أساسه وضمنت وجودها في الكنيست، ما دامت الرؤى والتوجهات والأيديولوجيات والبرامج ظلت على حالها ؟
على الجانب "الإسرائيلي"، كان هناك من رأى في تشكيل القائمة "كشفا" لحقيقة أن كل الأحزاب العربية مثل كل العرب كارهون ل"إسرائيل"، مهما اختلفت أيديولوجياتهم، وبالتالي طالب بشطب "الجمل بمن حمل"، أي شطب القائمة كلها مرة واحدة (ليبرمان)! لكن كان من هو أذكى من ذلك، فرأى أن تشكيل القائمة يخدم "إسرائيل"، ولا يغير شيئاً في الواقع القائم . واعتبرها خدمة تقدمها "القائمة" للمعسكر الصهيوني المطالب بإبعاد بنيامين نتنياهو ومعسكره اليميني، ومساهمة في إنجاح "المعسكر الصهيوني" بزعامة إسحق هيرتزوغ وتسيبي ليفني، وأخيراً، خدمة لصورة "الديمقراطية الإسرائيلية"!
لقد كتب تسفي برئيل، في صحيفة (هآرتس- 29/1/2015)، يقول: "توقيع اتفاق الوحدة بين الأحزاب العربية، يضمن بقاء العرب في الكنيست . والآن أصبح في الإمكان تنفس الصعداء . فالتعدد الإثني القومي الذي جعل "إسرائيل" الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط بإمكانه أن يرفع رأسه بفخر .
ولم يبق أمام المعسكر الليبرالي في "إسرائيل" إلا إقناع العرب بالخروج والتصويت لقائمتهم الموحدة، كي يغسل يديه ويرفع عن نفسه العتب"!! وهو لم يتجاوز الحقيقة، فالمسألة لا تعدو "رفع العتب وغسل اليدين"، وقبلهما التضليل!
وجاء في تصريحات لبعض قادة "القائمة" ما يفهم منه بأن انضمام 12- 14 عضواً عربياً للكنيست، سيضع حداً لإصدار القوانين العنصرية التي تسن في الكنيست، وسيحسن من الخدمات التي تقدم للمواطنين العرب . لكنه سيظل مطلوباً من هؤلاء أن يشرحوا لنا كيف سيكون ذلك . وبكلمات برئيل "أن يوضحوا كيف ستكون إضافة ثلاثة أو أربعة أعضاء كنيست عرب قادرين على منع تشريع قانون القومية وضمان مكانة العربية كلغة رسمية ومنع بناء المستوطنات"! أما تعليق الآمال على معسكر هيرتزوغ وليفني، فهو أمر يتجاوز الوهم إلى العمى السياسي . فالأول كان مع رفع نسبة الحسم، والثانية كانت مع إصدار قانون "يهودية الدولة"! ولو فرضنا أن هذا المعسكر فاز، فلن يجرؤ على الاعتماد على الأصوات العربية في سياسته . أما إذا نجح معسكر نتنياهو، فلن تكون أية قيمة لبضعة أصوات عربية إضافية .
لقد تعودنا على تضخيم حسناتنا، عندما يتوفر بعضها، الأمر الذي يحولها إلى مساوئ! إن الاتفاق أو حتى التوافق، بين أطراف تجمعهم مصلحة مشتركة، ولو على الحد الأدنى، أفضل من الفرقة والتشرذم شريطة أن ترى الأطراف حدوده . ويبدو أن الفلسطينيين جميعاً يشبهون بعضهم . فقد انكشفت عيوب "المحاصصة"، وباءت بالفشل كل محاولات توحيد الفصائل الفلسطينية بسبب التنازع على الحصص . وأظهرت تجربة الوجود العربي في الكنيست عقمها، فلم تشفع لعزمي بشارة ماضياً، ولا تحمي حنين الزعبي حاضراً، ولم تق عرب الداخل من القتل والاعتقال ومصادرة الأرض . وكنا نأمل أن يكون فينا من يتعلم من التجارب، فتتوحد الأحزاب والحركات العربية في الداخل الفلسطيني بالفعل، ليس من أجل الدخول أو البقاء في الكنيست، بل لما يخدم حقاً مصالح الفلسطينيين في الداخل والخارج، وتعزيز أشكال النضال القادرة على تحقيق انتصار القضية الوطنية الجامعة .
المصدر: الخليج