ثقافة الشرطة الأميركية
لا شك أن المأساة التي شهدتها بلدة «فرجسون» أعادت الجدل الوطني حول العنصرية والسلوكيات العسكرية لنظام الشرطة المحلية، وحول الاستخدام المفرط للقوة وانحراف النظام القضائي. أما الشيء الذي لم يحظَ بالاهتمام اللازم، فهو الثقافة العدوانية وظاهرة الإفلات الانتقائي من العقاب، والتي أصبحت إحدى أسوأ خصائص النظام الشرطي في الولايات المتحدة.
وبعدما رفضت محكمة نيويورك مؤخراً إدانة شرطي في حادث مقتل «إريك جارنير»، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» سلسلة من الصور لشبّان سود كانوا ضحايا لما أطلقت عليه الصحيفة «الصدامات القاتلة للشرطة» خلال العقد الماضي. وهناك الكثير من حوادث القتل التي ذهب ضحيتها أبرياء على أيدي رجال الشرطة. وجاء في «واشنطن بوست» أن أكثر من 1000 مواطن يُقتَلون كل عام على أيدي رجال الشرطة، معظمهم من الذكور الأميركيين الأفارقة، أو صغار السن من ذوي الإعاقات الجسدية.
عندما يراجع المرء هذه القصص المخيفة، سيساوره شعور بأن الأمر أصبح يرتبط بعقلية «نحن ضدهم». هذه هي النتيجة التي أوصلنا إليها التصعيد المتزايد لضباط الشرطة في استخدام القوة المفرطة والشروع في القتل لأسباب تافهة.
والعنصرية هي القضية الأساسية في كل ما يحدث، لكن الأميركيين الأفارقة ليسوا وحدهم ضحايا هذه السلوكيات المنحرفة. وقد تواردت إلى ذاكرتي قصة شاب أبيض يدعى «إيثان سيلور» مصاب بعاهة ذهنية. وبعدما انتهى فيلم سينمائي كان يشاهده في إحدى دور السينما، لم يكن يعلم أن عليه مغادرة القاعة لأن العرض انتهى، فتوجه إليه ثلاثة رجال شرطة يتكفلون بحراسة دار السينما، وبدلا من الانتباه لإعاقته والاهتمام به، طرحوه أرضاً وبدأوا بضربه حتى اقترب من الموت. وقد نجا الثلاثة بفعلتهم.
وبسبب خبرتهم الطويلة، أصبح الأميركيون الأفارقة يفهمون الظلم الذي ينطوي عليه هذا السلوك للرقابة. وقد أظهر استطلاع حديث أنجزته «واشنطن بوست» أن 58 في المئة من الأميركيين البيض الذين شملهم الاستطلاع يوافقون على عدم إدانة ضابط الشرطة «ويلسون»، مقابل 83 في المئة من الأميركيين الأفارقة الذين رفضوا قرار المحكمة. وبيّن استطلاع آخر أجرته «نيويورك تايمز»، أن 45 في المئة من الأميركيين الأفارقة يعتقدون أنهم واجهوا معاملة سيئة من رجال الشرطة بسبب لون بشرتهم.
لا أشك للحظة واحدة بأن الكثير من رجال الشرطة الأميركيين يشعرون بالخطر في كثير من المواقف التي يطلب منهم مواجهتها. وأعلم أيضاً بأن الكثير منهم يتمتعون بالثقافة العالية في شؤون الخدمة العامة، ويعملون بطريقة بطولية لإنقاذ الأرواح والدفاع عن الأبرياء. من أجل هؤلاء، ومن أجل المجتمعات التي يضحون من أجلها، فإن ثقافة الخدمات الشرطية في الولايات المتحدة يجب أن تتغيّر.
فالمشكلة لا تبدأ من شرطي يقوم بدوريته المعتادة، بل من أساليب التدريب التي يكون قد اكتسبها، بالإضافة للسلوك السيئ الذي تعلمه من الضباط الذين يقودونه. ولن يحدث التغيير ما لم يضطلع قادة مراكز الشرطة بدورهم في معاقبة رجال الشرطة ذوي السلوك المستهجن، وما لم يتحمل الجهاز القضائي مسؤولياته الكاملة في معاقبة كل شرطي يستخدم القوة في غير محلها.
المصدر: السفير