كل خطابٍ طائفي... يصبُّ في مصلحة «إسرائيل» حكماً
تعمل وسائل إعلام عديدة، محسوبة على جهات متناقضة، داخلية وخارجية، على ترويج صورة محددة لما يجري في البلاد؛ تدّعي من خلالها وقوف «إسرائيل» إلى جانب قسم من السوريين ضد قسم آخر، والحقيقة أنها تقف ضد جميع السوريين، وتستثمر في دمائهم.
الملفت في الموضوع، هو أن وسائل الإعلام هذه، ورغم أنها تبدو متعارضة ومتناقضة، إلا أنها تصر على تقديم المشهد نفسه، واعتباره واقعاً مسلّماً به، واعتباره الأساس الذي ينبغي بناء المواقف انطلاقاً منه، رغم أن الواقع معاكسٌ تماماً.
الواقع يقول: إن «إسرائيل» تقوم بكل ما في وسعها لتأجيج الصراع بين السوريين، ولإراقة الدماء من كل الأطراف، ومن الذين تدّعي الدفاع عنهم أكثر من أي أحد آخر؛ بالضبط لأن سفك الدم السوري يفتح الباب نحو مزيد من التدخل «الإسرائيلي»... النظر إلى تسلسل الوقائع خلال الأسبوعين الماضيين، يثبت أن «التدخل الإسرائيلي» والغطاء الأمريكي عبر الألعاب السياسية، كان مدروساً بعناية، وانتقائياً، بحيث يمهد الطريق للمجزرة على المستوى السياسي، ويفتح الباب زمنياً ومكانياً لوقوعها، ثم يتدخل لا ليمنعها، بل ليضبط حدودها، وليستثمر بها، وليقدم نفسه منقذاً ومخلصاً.
بمجرد تحييد التفكير الطائفي الضيق، بكل أشكاله وأنواعه، تظهر الحقيقة واضحة ومفهومة: الخاسر فيما يجري هو كل السوريين على الإطلاق، وخسارتهم كبيرة لا تقف عند حدود الدماء المهدورة، بل وتمتد إلى خسارة أعمق وأفظع، هي الجروح والأحقاد الجديدة التي جرى زرعها، والتي ستحتاج عملاً شاقاً لمداواتها... والرابح الوحيد هو «الإسرائيلي».
إنّ كل خطابٍ طائفي اليوم، وأياً تكن الجهة التي تروج له، وأياً يكن الغطاء الذي يتغطى به، سواء «الدفاع عن النفس» أو «الدفاع عن الوطن»، هو خطابٌ غير وطني بالضرورة، وهو خطاب يصب في مصلحة «إسرائيل» وضد المصلحة السورية العامة، وضد وحدة البلاد وسلمها الأهلي واستقرارها.
ما نحتاجه الآن في سورية، هو رجالٌ كبار بعقولٍ وازنة وحكيمة، وقلوب تحرص على كل قطرة دم سوري، على غرار القادة التاريخيين للثورة السورية الكبرى، والذين استطاعوا تجاوز فتن المحتل، وتطويقها وتأريضها، واستطاعوا توحيد السوريين حولهم من كل الطوائف والقوميات والأديان، لأنهم فهموا بشكل مبكر أن كل تحريض طائفي أو ديني أو قومي يصب بالضرورة ضد مصلحة البلاد وأهلها.
رجالٌ ونساءٌ من هذا النمط، موجودون بلا شك، وما يمنع تفعيل دورهم هو غياب المشاركة الحقيقية التي ينبغي العمل من أجل تحقيقها، عبر المؤتمر الوطني العام، الذي يمكن أن يكون جمعية تأسيسية جديدة، تحقق التوافق بين السوريين حول كل القضايا الأساسية، وتؤسس لحكومة وحدة وطنية ولدستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة على أساس المواطنة المتساوية، وعلى أساس الأخوة بين السوريين بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو القومية أو غير ذلك من عوامل التمييز...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1237