حول «الوثيقة السياسية لكونفرانس وحدة الموقف الكردي في سوريا» ...

حول «الوثيقة السياسية لكونفرانس وحدة الموقف الكردي في سوريا» ...

صدرت يوم السبت 26 نيسان «الوثيقة السياسية لكونفرانس (مؤتمر) وحدة الموقف الكردي في سوريا»، عن اجتماع في القامشلي، ضم تقريباً كل الجهات السياسية والمدنية الكردية الأساسية في سورية.

تضمنت الوثيقة 26 بنداً، موزعة على عنوانين، الأول: (في المجال الوطني السوري) 15 بنداً، والثاني: (في المجال القومي الكردي) 11 بنداً.

الاتجاه العام للوثيقة جاء مركزاً على المواطنة المتساوية للسوريين بغض النظر عن قومياتهم، أديانهم، طوائفهم، جنسهم...إلخ. وطالب بنظام حكم لامركزي وبرلماني يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وعلى توزيع منطقي للصلاحيات والثروة بين المركز والأطراف يضمن التنمية الشاملة.

وفي المجال القومي الكردي طالبت الوثيقة باعتراف دستوري باللغة الكردية كإحدى اللغات الرسمية في الدولة، إضافة إلى جملة من الحقوق الثقافية والوطنية العامة، بما فيها التراجع عن إجراءات استثنائية تمت ممارستها ضد الكرد السوريين في العقود السابقة.

أهمية الوثيقة

تحمل هذه الوثيقة أهمية خاصة للأسباب التالية:

أولاً: تكاد تكون أول وثيقة توافقية بين مختلف الأطياف السياسية للكرد السوريين، الذين عانوا كغيرهم من السوريين من انقسامات حادة طوال عقود مضت.

ثانياً: أهم ما في هذه الوثيقة هو أن الجهات التي توافقت عليها، تضعها بوصفها أساساً للحوار الوطني الشامل، سواء مع الإدارة الجديدة، أو مع بقية القوى الوطنية السورية؛ أي أنها لا تقدمها بوصفها منتجاً نهائياً غير قابل للنقاش، بل تقدمها بوصفها رؤيتها للحل الشامل في سورية، وبوصفها رؤية قابلة للحوار، وصولاً إلى توافق بين السوريين حولها وحول غيرها من النقاط المختلفة العالقة... أي أنها وثيقة من الوثائق التأسيسية لعملية الحوار الوطني الشامل ضمن مؤتمر وطني عام كان وما يزال استحقاقاً وطنياً لا يمكن للبلاد أن تمضي قدماً دون تحقيقه.

ثالثاً: تكتسب الوثيقة أهمية إضافية من التوقيت الذي تم إطلاقها فيه؛ ففي الوقت الذي ينشط فيه «الإسرائيلي» لضرب وحدة سورية، وترتفع مؤشرات عودة عمل داعش الذي يصب بالاتجاه نفسه، ناهيك عن المخططات الأمريكية في الانسحاب «الجزئي» أو «الكامل» الذي يمكن للأمريكي أن يوظفه بما يخدم داعش، فإن ظهور هذه الوثيقة، يعد فرصة ينبغي التقاطها عبر الإسراع بعقد المؤتمر الوطني العام بوصفه الأداة الأهم في نزع فتيل التفجير والتخريب الصهيوني/الداعشي.

الانتقادات الموجهة للوثيقة؟

هنالك عدة نقاط تتضمنها الوثيقة، تحتاج إلى حوارٍ جدي بين السوريين؛ مثلاً: عدم الوضوح في قضايا اللامركزية تارةً والاتحادية تارة أخرى؛ علماً أن اللامركزية لا تنفي المركزية بل تؤكدها، ولا يمكن للامركزية أن تعيش دون مركز قوي، ناهيك عن أن لامركزية فضفاضة بعد كل ما جرى في سورية، ستكون وصفة لانتفاء الدولة السورية لا لوحدتها... وربما من الجدير بالذكر، أن حزب الإرادة الشعبية ومجلس سورية الديمقراطية قد توصلا إلى صياغة معقولة للعلاقة بين المركزية واللامركزية ضمن مذكرة التفاهم الموقعة بينهما عام 2020، والتي نصت على: «صيغة متطورة للعلاقة بين اللامركزية التي تضمن ممارسة الشعب لسلطته المباشرة في المناطق وتحقق الاكتفاء الذاتي والتوزيع العادل للثروات والتنمية في عموم البلاد، والمركزية في الشؤون الأساسية (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد)».

من جهة ثانية، فإن الوثيقة لم تضع إطاراً واضحاً لموضوع حصر السلاح والمؤسسة العسكرية الموحدة في البلاد، والتي لا يمكن الحديث عن وحدة سورية بشكل حقيقي دون الوصول إليها. ومن المفيد هنا أيضاً التذكير بالبند الخامس من مذكرة التفاهم المشار إليها سابقاً، والذي قال: «الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية العامة التي ينحصر بها حمل السلاح ولا تتدخل بالسياسة. وينبغي أن تكون قوات سورية الديمقراطية منخرطة ضمن هذه المؤسسة على أساس صيغ وآليات يتم التوافق عليها».

يضاف إلى هذه الملاحظات، الحديث عن نظام برلماني وغيرها من الأمور، التي يمكنها أن تكون مثار خلاف عميق ما لم يتم وضعها في إطار ملموس يشكل الهيكل القانوني العام للدولة، أي الدستور...

إن الاختلاف في الرؤى حول شكل الدولة هو أمر طبيعي تماماً، وينبغي أن يتم التعامل معه بروح وطنية إيجابية ومنفتحة على التفاهم والتوافق للوصول إلى صيغ ترضي وتطمئن كل السوريين، وهو أمر ممكن والسوريون قادرون عليه؛ وقادرون على صياغة نموذجهم الخاص، ولكن بالضبط عبر الحوار فيما بينهم، وهي المهمة الأساسية التي ينبغي أن تتركز كل الجهود باتجاه تحقيقها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1224