غالي بس طيب!

غالي بس طيب!

في سورية كان هناك نوعان من الناس، الأول: مستعد لأن يدفع أكثر مقابل أن يأكل طعاماً أطيب، والنوع الثاني: يفضل أن يأكل كمية أكبر بغض النظر عن الطعم! وليس من الصعب أن نعرف الفرق بين هذا وذاك؛ فضيق الحال كان يعني أن الأولوية ليست للطعم بل للبحث عما يشبع العائلة ولا يكلف كثيراً. وخلال العقود الماضية، وتحديداً العقد الأخير، كان الحال يضيق أكثر وأكثر، والفقر يأسر عدداً أكبر من السوريين، ولم تبق إلى قلة قليلة قادرة على دفع تكلفة النكهة الباهظة، حتى أن المكونات التي تستخدم لتحضير الطعام التقليدي بدأت تتغيّر؛ فجرى استبدال اللحمة بالدجاج، ثم لاحقاً الدجاج بمرقته فقط، وكذلك الأمر لم يعد بالإمكان وضع اللوز والصنوبر فوق الفتة الشامية، واحتل مكانها الفستق المحمص في أحسن الأحوال، وبدأت البازيلاء تحتل محل الفستق الحلبي وهكذا حتى أن أبسط الأشياء باتت بعيدة المنال، وأصبح سوق البزورية في دمشق يبيع أنواع النكهات كلها، حتى أن استخدام الليمون الطبيعي أصبح شكلاً من أشكال البذخ!
ما سبق يشرح لنا طبيعة النقاش الدائر حول رغيف الخبز «الجديد»؛ إذ أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً في 4 شباط الجاري يقضي بتخفيض وزن ربطة الخبز من 1500غ إلى 1200غ لكن للمفارقة شهد المواطنون تحسناً ملحوظاً في جودة الرغيف وطعمته، وهذا بلا شك أمر جيد؛ حيث شهدت السنوات السابقة تدهوراً كبيرة في جودة الخبز، لكن المشكلة الآن أن الغالبية العظمى من السوريين لا تزال في الفريق الذي يبحث عن كمية أكبر بسعر أرخص، وهؤلاء تخنقهم الغصة عندما يذوقون الرغيف الجديد، فهو يذكرهم بزمن مختلف، ولكنّه يعني أيضاً الحاجة لكمية أكبر من المال لملء المعدة بالمنتج الأساسي، الذي بات مصدر الوقود والطاقة رقم 1 لأجساد السوريين المتعبة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1213