الفقاعة الضيقة
عندما بدأت المظاهرات تخرج إلى الشوارع والساحات السورية، ظن الناس أن ما يفعلونه يصل، كما يريدون، إلى كلّ بيت، وأن الناس يرونهم أنقياء صادقين، بينما كانت وسائل الإعلام تعمل على هدفٍ آخر تماماً؛ ففي سورية، لم يعتمد الناس على وسيلة إعلام جامعة ليعرفوا ما يجري حولهم، بل انقسمت وسائل الإعلام، وأصبحت هناك قنوات «مؤيدة» وقنوات «معارضة»، والمثير حقاً أنه مع كل يوم جديد، باتت مصادر المعلومات تضيق أكثر رغم تنوعها، فداخل سورية وفي مناطق سيطرة النظام مثلاً، عملت قوى الفساد على الهيمنة على الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام، وتحوّلت مئات الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي وعشرات الإذاعات والصحف ومحطات التلفزيون إلى ماكينة واحدة ضخمة تروّج أفكاراً محدودة بطرق ومستويات مختلفة، لكن ما لا يعرفه كثيرون، هو أن القنوات «المؤيدة» لم تسع للتأثير على جمهور «المعارضة» بل على العكس تماماً، كان هدفها الأساسي التأثير بـ «الموالاة» تحديداً بهدف التحكم بمواقفهم وسلوكهم، وكذلك الأمر بالنسبة للقنوات «المعارضة»، فالهدف كان نسف أي إمكانية تواصل حقيقي بين الفريقين المتحاربين، وشحن كل فريق ضد الآخر، وكان الشرط الوحيد للقاء الفريقين هو ضمن برامج تلفزيونية محددة أشبه بحلبات مصارعة يلتقي فيها أصحاب الآراء المتطرفة تحديداً، ويرمون بعضهم بالأكواب والكراسي.
هذا السلوك الإعلامي والسيطرة الشديدة على ما يخرج للناس ساهم لدرجة كبيرة بتعقيد المشهد على الأرض. والمقلق اليوم، أننا نشهد إلى حد كبير ملامح تشكل فقاعات جديدة تعزل من في داخلها عن الآخرين الموجودين في الفقاعات الأخرى؛ حتى يكاد الشخص يظن أن من يشاطره الرأي موجود، أما الآخرون فما هم إلا أشباح يشعر بهم ولا يراهم. ولكن إذا ما أردنا حقاً الخروج من اللحظة الحرجة التي نمر بها سالمين، علينا أن نستفيد من دروس الماضي ونكسر هذه الفقاعات، ونلتقي مع بعضنا البعض، ونُنحي النوايا السيئة، ونستمع بقلوب وعقول مفتوحة دون أحاكم مسبقة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1213