الخوف من القادم المجهول!

الخوف من القادم المجهول!

أجيال من السوريين نشأت في ظرف محدد، كان الثابت فيه أن «القادم كان دائماً أسوأ»، فمنذ آذار 2011 لم يكد السوريون يفرحون بعودتهم للشارع والتعبير منه عن أوجاعهم، حتى تحول الواقع إلى مشهد دامٍ طويل، خسرت فيه كلُّ أسرة أحد أفرادها أو أقربائها، وعشنا خلال هذه السنوات مآسي مستمرة، حتى بدا كما لو أننا في نفقٍ مظلم لا مخرج منه، وبدأت موجات الهجرة من سورية، وجرى إفراغها من أهلها، وتشتت شملنا يوماً بعد آخر.

وعلى مدار أشهر طويلة، كانت الحرب في غزّة تستعر، وتنتشر النيران حولنا، وباتت أيامنا أثقل على وقع مشاهد الدمار والقصف في فلسطين ولبنان واليمن وسورية، ليصبح المشهد العام أكثر قتامةً... لكن تغييراً هائلاً حدث في المشهد السوري، ولم يستطع السوريون استيعابه وفهم ظروفه بعد، وصاحبه شعور طاغٍ لا يزال هو السائد يمكن تكثيفه بـ «القلق»، فهناك بلا شك ارتياح عام ساد في الأيام الأولى بعد سقوط السلطة الفاسدة، لكن سلسلة من الأحداث بدأت من القصف «الإسرائيلي» ومروراً بأحداث متفرقة في المدن السورية كلها، دفعت جمهور السوريين للخوف مما هو قادم، وإذا ما نظرنا إلى تجربة العقود السابقة، تبدو أفكار كهذه متسقة، لكنّها في الواقع تظل حبيسة فترة زمنية قصيرة من التاريخ.
فالعقود السابقة، وإن حملت أحداثاً قاسية، إلا أنّها كانت نتيجة طبيعية لظرف دولي وإقليمي لم يسمح لنا بإحداث اختراقات بالاتجاه الذي نريده فعلاً، لكن هذا الظرف بالذات كان يتغير ببطء وجاءت أولى ثماره الملموسة بوقف الحرب في لبنان، وإسقاط سلطة الفساد في سورية، ثم الوصول لاتفاق في غزّة، وشكّلت هذه الأحداث مجتمعة مناخاً جديداً يحمل في باطنه فرصة سانحة لسورية والسوريين ليعيدوا ترتيب بيتهم الداخلي، عبر توافق واسع، ونبذ العنف الذي ساد لأكثر من عقد، فاليوم نحمل على ظهرنا عشرات القضايا الكبرى التي تحتاج إلى حلول، لكننا قادرون على حلّها كلّها، وسنقدم لجيل قادم من السوريين نموذجاً ملموساً لطاقة الشعب الجبارة في تجاوز المحنة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211