للسوريين في الخارج: انضموا... انضموا!

للسوريين في الخارج: انضموا... انضموا!

شباب وشابات سورية الذين في الخارج، ومع مرور السنة بعد السنة من الكارثة الطاحنة، ودون ضوءٍ واضح في نهاية النفق، أرهقهم الأمل- أمل العودة والحياة الكريمة في بلادهم التي يحبونها- واستنزفهم وأتعبهم، وقرر كُثر منهم أن يمضي في حياته في الخارج واضعين أملهم في زاوية بعيدة محصنة ضمن قلوبهم كي لا يستهلكهم، وكي لا يستهلكوه فيفقدوه نهائياً... والآن بات من الممكن لهذا الأمل أن يحتل مساحة الحزن والسواد كلها، وأن ينطلق بهم ويحملهم مرة أخرى لبلادهم...

الكارثة التي مرت بها سورية، جعلت خيار السفر خياراً شبه إجباري، للخروج من المأساة فقط، وللأسف فإن جزءاً كبيراً ممن سافر يحمل كفاءات علمية نوعية، ممّا زاد ليس في حجم الاستنزاف فقط، بل في نوعيته أيضاً.
أعادَ فرار رأس النظام لأذهان المغتربين صوراً نقيّة عن سورية، وطنهم الذي يحبّونه، أعاد لهم الأمل في بناء ما عجزوا عنه خلال سنين حكم الطاغية ونظامه، ولكن مخاوف عدّة وأسئلةً كثيرة حول مستقبل سورية الجديدة لا تزال تعتمل في أذهان كُثرٍ منهم، وتضعهم أمام خيارات صعبة: البقاء في الخارج حيث أمنوا قدراً معقولاً من الاستقرار بعد سنوات من العذاب، أم العودة لبلادٍ ما تزال ركاماً للبدء من جديد؟
الفرق بين المسألتين كبير بلا شك، ولكن أحد التشبيهات التي ربما تساعد في التفريق بينهما، وإن بدا تشبيهاً ساذجاً وبسيطاً، هو الفرق بين فرش بيت الإيجار، وفرش البيت الملك... حين تكون مستأجراً في أي بيت كان، ومهما كان كبيراً ومريحاً وموقعه جميلاً، فإنك لن تسخى بشراء أثاث ثمين، ولن تبذل جهوداً كبيرة في إصلاح كل تفاصيل البيت وتجميلها والاهتمام بها، ولن تزرع ذكرياتك فيه زرعاً... ببساطة لأنه بيت مستأجر، تعلم أنك ستخرج منه عاجلاً أم آجلاً...
حين يكون البيت ملكاً لك، حتى ولو كان صغيراً، وليس في أفضل المواقع، وليس في أحسن الأحوال، ولكنك لن تتردد في تحسينه بشكلٍ مستمر؛ لن تتردد في غرس ذكرياتك فيه، لن تتوانى عن تأثيثه بأفضل ما تستطيع... لأنه بيتك، ولأولادك من بعدك.
كذلك هو الأمر في التعامل مع الوطن ومع المغترب... ولكن حين يكون الوطن وطناً، وهو لم يكن كذلك في عهد السلطة الفارّة؛ كان مزرعة للموت والدمار والاعتقال والخوف والفقر... الآن انفتح الأفق أمام السوريين، وبات من الممكن أن يتحول هذا البلد إلى وطنٍ حقيقي لكل أبنائه... ولكن هذا الأمر لن يحصل بشكل فوري، ولن يحصل بشكلٍ مجاني، ودون نضالات سلمية منظمة يقوم بها بالدرجة الأولى شباب وشابات هذه البلاد، ودون إعمار وعلم يستند إلى كفاءات هذه البلاد الخيرة التي تم سلبها ونهبها منها، عبر تطفيشها طوال نصف قرن...
وكي لا يفهمني أحد من السوريين في الخارج أنني أناشدهم العودة، وأعلن مع غيري من السوريين في الداخل حاجاتنا الماسة لهم، (ولا مانع لدي طبعاً من المناشدة)، ولكني أيضاً أقول لهم: إن هنالك فرصة للفرح ولغسل القلوب وللمس وعود المستقبل وأحلامه، والعيش بكرامة وعزة... هنالك فرصة ما تزال تتشكل، وهي جميلة وهي فرصة، وستكون أجمل وهي حقيقة، وحالتها الأكثر جمالاً هي في النضال نحوها مع الإيمان بأنها ستتحقق...
ولذا، فإن ما أدعوكم إليه، هو نضالٌ شاق وعنيد، على الصعد كلها، ولكنه نضال خبزه هو الفرح والحب والآمال العريضة، والشعور بقوتنا كجماعة إنسانية متراصة متضامنة محبة، وحرصها على بعضها البعض.... ولذا: انضموا.. انضموا!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1205