ألمانيا تتحسس «خطر» عودة الكفاءات السورية لبلادها
أحمد علي أحمد علي

ألمانيا تتحسس «خطر» عودة الكفاءات السورية لبلادها

غداةَ سقوطِ السلطةِ السياسيّةِ في سورية، تصدّر ملفُ اللاجئين السوريين عناوينَ الصحفِ والمجلاتِ الغربية، وبدأ تداولُ الاحتمالات المختلفة المترتبة على عودتهم إلى ديارهِم، التي افتقدتهُم بعد طول غياب.

وسرعانَ ما تحوّل هذا الملف ليكون محوراً لجدالٍ سياسيٍّ حادٍّ لم ينتهِ بعدْ؛ حول ما يجب فعله بالضبط، ومخاطر العودةِ وتأثيراتها على الدول المضيفة. ولكون الجالية السورية في ألمانيا تعدّ الأكبرَ من بينِ الجالياتِ السورية في الاتحاد الأوروبي، فقد تصدّرت المشهدَ العام... فماذا يجري في ألمانيا الآن؟ وما حالُ ودورُ اللاجئين السوريين هناك؟ وحالُ ألمانيا من دونهم؟

أرقام وحقائق

بحسب بياناتٍ صادرةٍ عن المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا، بلغ عددُ السوريين المقيمين في البلاد حوالي 973 ألفَ شخص مع نهاية عام 2023، من هذا العدد، يُصنّف نحو 712 ألفاً ضمن الباحثين عن الحماية، وتشمل هذه الفئة المتقدمين بطلبات لجوءٍ قيد الدراسة، وطالبي اللجوء المرفوضين، وأولئك الذين يتمتعون بحماية مؤقتة لأسباب إنسانية.
أغلبُ هؤلاء السوريين وصلوا إلى ألمانيا خلال موجةِ اللاجئين الكبرى في عام 2015، حيث تقدّم حينها أكثرَ من 320 ألف شخص بطلبات حماية، ورغم أنّ عدداً كبيراً منهم حصل على تصاريح إقامة دائمة، إلّا أنّ البعض لا يزال يواجه قيوداً قانونية بسبب إقامات مؤقتة، وهو ما يحدّ من فرصهم في العمل والتدريب المهني.
وتصدرت سورية هذا العام قائمة الدول من حيث عدد طلبات اللجوء في ألمانيا. وبحلول نوفمبر 2023، سجّل السوريون نحو 75 ألف طلب، ولكن بعد سقوط سلطة الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في اليوم التالي تعليقَ النظر في طلبات اللجوء المقدّمة من السوريين. وهذا القرار يشمل حوالي 47270 طلباً قيد الدراسة، من بينها نحو 46 ألف طلب أولي، مشيراً أن هذا التغيير لا يؤثر على الطلبات التي بُتَّ بها سابقاً.
ومن بين الفئات المؤهلة، يُعتبر اللاجئون السوريون الأهم مقارنة بغيرهم من اللاجئين، وعلى صعيد العمل، أسهمَ السوريون بشكل كبير في سدّ احتياجات سوق العمل الألماني في عدّة قطاعات، خصوصاً في قطاع الطبّ والرعاية الصحيّة، إذ يعملُ عدد كبير منهم في وظائف التمريض، التي تشهد نقصاً حادّاً في اليد العاملة. ومع دعوات بعض السياسيين الألمان لعودة السوريين إلى وطنهم مؤخراً، سيتفاقم النقص في العمالة الماهرة في هذا القطاع إلى حدّ كبير، حيث تشير بيانات وزارة الصحة إلى وجود نقص يقدر بحوالي 200 ألف شاغر حالياً في هذا المجال (بوجود السوريين).

«حاجة ماسة لهم»!

استناداً إلى هذه المعيطات، والتي تظهر حجم وأهميّة دور اللاجئين السوريين في ألمانيا، وتحديداً في القطاع الطبي، يدور جدال واسع داخل أروقة السياسة في ألمانيا، فبينما ترى قوى سياسية ضرورة العودة السريعة لكامل اللاجئين لغياب سبب منحهم اللجوء (المحافظون واليمين المتطرف)، هنالك من يرفض ذلك، ويفرز ما بينهم على أساس من منهم حاصل على الجنسية ومن لا، وفي فرز آخر، يجري الحديث أن على «المندمجين» أن يبقوا، بينما من لا يحققون هذا الشرط فعليهم الرحيل (شولتز مثالاً). ومن ناحية أخرى هنالك من يقول بأن ألمانيا «بحاجة ماسّة لهم» ويدعو إلى الإبطاء في العملية والحذر حيال التعاطي مع هذا الملف (رئيس جمعية المستشفيات غيرالد غاس).
على أيّة حال، فإن جميع الأطراف في ألمانيا، وبغض النظر عن موقفهم المباشر من المسألة، والخاضع لأولوياتهم في السياسة؛ يعترفون بشكل أو بآخر بالدور الهام للاجئين السوريين بسدّ الثغرة الكبيرة في سوق العمل الألماني، وبحاجة البلاد إليهم، لكن الملفت في الأمر، أنها المرة الأولى التي نرى فيها هذا النوع من التعامل مع اللاجئين السوريين في أوروبا، فبعدما صدّروا وجودهم بوصفه مسبّب لكل مشاكل البلاد، تنقلب الآية الآن لتظهر الحقيقة التي حاولوا تغييبها طوال سنين، بأن اللاجئين عموماً، والسوريين منهم بصورة خاصّة، ساهموا بشكل حقيقي وفعلي بحلّ مشاكل القارة العجوز، ودفعوا بعمليات التنمية فيها، ونهضوا بسوق العمل الجاف عبر طاقاتهم وجهدهم وروحهم...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1205