افتتاحية قاسيون 1163: لا يريدون حلاً!

افتتاحية قاسيون 1163: لا يريدون حلاً!

توقفت افتتاحية قاسيون الماضية بشكل أولي عند مشروع القانون الأمريكي المسمى «قانون مناهضة التطبيع مع الأسد»، والذي تمّ إقراره في مجلس النواب الأمريكي يوم 14 شباط الجاري، على أن تستكمل عملية إقراره لاحقاً بموافقة مجلس الشيوخ ومن ثم مصادقة الرئيس الأمريكي عليه، وهي العملية التي من المتوقع أن تتم ضمن 2024.

ما ينبغي لفت الانتباه إليه في هذا المشروع، وبعيداً عن القالب الإعلامي الذي يجري ترويجه ضمنه، هو أنّه ينص على تشديد عقوبات قيصر وتمديدها حتى نهاية عام 2032، في حين كان من المفترض أن ينتهي مفعول قيصر، وفقاً لمواد قيصر نفسها، بتاريخ حزيران 2025.
المهم في هذا المشروع الجديد، هو أنّه يكشف بشكلٍ واضحٍ طبيعة الاستراتيجية الأمريكية تجاه سورية خلال 5 إلى 7 سنوات القادمة، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

أولاً: طالما لم يتحقق الهدف الأمريكي في سورية، فإنّ العقوبات باقية وتتمدّد، وإلى ما لا نهاية.

ثانياً: هذا لا يعني أنّ تحقق الأهداف الأمريكية، في حال تحققت، سيعني بالضرورة رفع العقوبات، بل إنّ التجربة التاريخية تقول عكس ذلك تماماً؛ المثال العراقي يوضح أنّه لا فرق لدى الأمريكان أيّ نظامٌ هو الموجود في السلطة، فالعقوبات الأمريكية اليوم، وبعد 21 سنة من احتلال العراق، أشد مما كانت عليه قبل احتلاله، والبلطجة الأمريكية في إرغام مشتري النفط العراقي على تحويل أموالهم إلى الفيدرالي الأمريكي لا إلى العراق، أحد الأمثلة عن طبيعة العقوبات الراهنة على العراق.

ثالثاً: مجمل السلوك الأمريكي، وضمناً العقوبات ومشروع القانون الجديد، هو العصا التي تقابلها جزرة «خطوة مقابل خطوة». ولكن الحقيقة هي أن افتراض رفع العقوبات خلال أو حتى بعد السير بمشروع الخطوة مقابل خطوة، هو افتراض ساذج تخالفه حقائق التاريخ من جهة، والوقائع الجارية من جهة ثانية؛ فالأمريكي، ومع تراجع هيمنته العالمية، لم تعد بيده من أدواتِ تحكمٍ وسيطرةٍ، سوى العقوبات والفوضى الشاملة الهجينة بأدواتها المختلفة، ولا يخدمه الاستقرار في منطقتنا بأيّ حالٍ من الأحوال، ولذا فإنّ أيَّ سرابٍ يغري به المتشددين السوريين، هو سرابٌ يقود نحو مزيد من ضعف البلاد وأهلها، ومن ضعفهم هم أنفسهم.

أخيراً، فإنّ الأمريكي بدفعه لمشروع القانون الجديد هذا، يؤكد أنّه غير معني بحل الأزمة السورية، بل معني بالذات باستمرارها. وأنّ العقوبات ليست أداة في «تغيير السلوك» فحسب، بل وهي بالضبط أداة في تغيير السلوك بما يخدم استمرار الأزمة وتعمقها، عبر الحفاظ على الجزء من السلوك الذي يمنع الخروج من الأزمة وتعزيزه، وعبر الانزلاق إلى مواقع جديدة أكثر خطورة بمعنى الاصطفاف الإقليمي والدولي، وتَخدِمُ تعميق الفوضى وإضعاف كل الأطراف السورية فوق ضعفها الحالي.

إنّ كلّ يومٍ جديدٍ من أيام الأزمة السورية، ومع الآلام العظيمة التي يحملها، يؤكد بشكلٍ أكبر أنّ الغربي، والأمريكي خاصة، لا يريد حلّ الأزمة، ويعمل على تعميقها، وضمناً يعمل ضد تطبيق 2254 أياً تكن التصريحات العلنية التي يطلقها.

في الوقت نفسه، فإنّ كل يومٍ جديد، يؤكِّدُ أنّ حلّ الأزمة لم يعد ممكناً إلّا دون الأمريكي ورغماً عنه، عبر عملٍ وطني سوري يأخذ زمام المبادرة في تفعيل حق الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه، مستفيداً من تقاطع مصالح أولئك الذين يخدمهم استقرارُ سورية وانتهاء أزمتها، وفي مقدمتهم ثلاثي أستانا بالتعاون مع الصين ومع دولٍ عربية أساسية...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1163
آخر تعديل على الأحد, 25 شباط/فبراير 2024 21:36