هرم الأكاذيب الأمريكية... (2) تتمة - جسر بري من الإمارات والسعودية عبر الأردن إلى «إسرائيل»؟
توقفنا في القسم السابق من المادة عند "الناتو العربي" ضمن استعراض سلسلة الأكاذيب الأمريكية بخصوص "الشرق الأوسط" خلال 5 سنوات والتي لا تقتصر على الأكاذيب المالية فقط، ونتابع هنا النقاش حول كذبة أخرى.
ثالثاً: جسر بري من الإمارات والسعودية عبر الأردن إلى «إسرائيل»
ما يزال على جدول أعمال هذه المادة التي يشتغل عليها مركز دراسات قاسيون، عدة عناوين أخرى بينها: («خط الغاز العربي»، «خطوة مقابل خطوة»، «إغلاق الحدود السورية العراقية ووصل الشمال الشرقي بالجنوب»، «إعادة السعودية إلى بيت الطاعة»، «إعادة تركيا إلى بيت الطاعة»، «التحالف البحري لمحاربة اليمن».. وغيرها).
الطريف في المسألة، هو أنّ تسارع توليد المشاريع الخلّبية لدى الجانب الأمريكي- الصهيوني، لا ينفك يزداد، إلى ذلك الحد الذي بات من الضروري معه أن نلاحق أولاً بأول، الأكاذيب التي يجري إطلاقها، لتفنيدها، ولمحاولة التقليل من حجم هرم الأكاذيب الذي يجري بناؤه على أساسها.
في هذا السياق، فقد انتشر خلال اليومين الماضيين، انتشار النار بالهشيم، الحديث عن استكمال اتفاقٍ بين كلٍ من الإمارات والسعودية و«إسرائيل»، على تسيير طريق بري يصل بينها ويمر عبر الأردن.
مصدر الخبر الأول كان «إسرائيلياً»، وهو موقع «Jewish News Syndicate»، الذي نشر يوم الخميس الماضي (14/12) مقالاً بعنوان «ممر بري بين الإمارات وإسرائيل يعمل رغم الحرب»، وضمن المقالة نفسها، تم نشر خريطة تبيّن المسار الذي يمر ضمنه الممر البري المفترض، وهذه الخريطة بالذات، وبما للصورة من قوة إعلامية، انتشرت انتشاراً واسعاً جداً.
عملاً بالمنهج نفسه الذي اتبعناه مع المشاريع الأخرى، سنبدأ بعرض فحوى المشروع المفترض وفقاً لمن يقولون به، وهرم الأكاذيب الذي تمّ بناؤه فوقه خلال ساعات معدودة بعد نشر المقالة...
- المشروع كان جزءاً من صفقة سعودية- «إسرائيلية» غير معلنة، وكان مؤجلاً إلى حين الوصول إلى التطبيع.
- عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وبحر العرب، هي التي تسببت في تسريع تحويل هذا المشروع إلى أمرٍ واقع.
- لقد وصلت بالفعل أولى شاحنات النقل عبر هذا الخط إلى «إسرائيل».
- يمكن اعتبار تحقق هذا المشروع، جزءاً أساسياً من المشروع الأكبر: «الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي».
- هذا المشروع هو دليل على قوة «اتفاقات أبراهام»، وعلى أنها ما تزال حية.
- الرحلة التي كانت تستغرق 14 يوماً في البحر للانتقال من الخليج العربي فبحر العرب فالبحر الأحمر وصولاً إلى إيلات، باتت تستغرق الآن 4 أيامٍ فقط عبر الطريق البري.
- يسمح هذا الخط بالتخلي عن النقل البحري عبر الخليج العربي- بحر العرب- البحر الأحمر، مرةً وإلى الأبد، بل ويسمح بتقويض مكانة قناة السويس.
- عملية التطبيع مع السعودية سائرة على قدم وساق، وهي لم تتأثر بالحرب على غزة، بل على العكس؛ تمّ تسريعها.
- التسوية السعودية الإيرانية على وشك أن تنهار.
- التسوية السعودية اليمنية هي الأخرى على وشك أن تنهار، خاصة مع السعي الأمريكي لتشكيل حلفٍ بحريٍ جديد ضد اليمن.
وقائع وحسابات..
سندع جانباً أنّ الأردن نفت رسمياً وجود هذا الجسر البري، وكذلك أنّ مصادر سعودية قد نفته عبر صحف سعودية، ونعالج مسألة واحدة هي الأرقام التي جرى طرحها، والتي وللأسف لم تحز العناية المطلوبة من الوسائل الإعلامية العربية.
الرقم الذي لم تقف عنده وسائل إعلامٍ كثيرة خلال نقلها للخبر، هو السعة القصوى للخط البري المفترض: 300 شاحنة يومياً.
الوقوف عند هذا الرقم هو أمرٌ مهم، لأنه يكشف مدى خلّبية المشروع المفترض؛ إذ تكفي حسابات بسيطة للوزن الافتراضي الذي يمكن أن تحمله هذه الشاحنات الـ300 ومقارنته بالشحن البحري، أو بالشحن البري عبر سكك الحديد، لتبيان مدى خلّبية الطرح.
وضمن الحسابات التي سنقول بها هنا، سنفترض أنّ كل شاحنة من هذه الشاحنات ليست شاحنة بمقطورة واحدة أو اثنتين، بل شاحنة من ثلاث مقطورات.
الحمولة القصوى لشاحنة من ثلاث مقطورات هي 25 طن، وعليه فإنّ 300 شاحنة يمكنها أن تنقل 7500 طن.
والآن فلننظر إلى الحمولة القصوى لسفن الشحن:
تتراوح الطاقة الاستيعابية لسفن الشحن البحري بين 10 آلاف، و400 ألف طن، ما يعني أنّ أصغر طرازٍ من سفن الشحن البحري يستوعب أكثر مما يستوعبه الجسر البري المفترض.
ينبغي الانتباه إلى أنّ الشحن البري لا يمكن أن يتفوق على الشحن البحري إلا في حالةٍ واحدة، هي حالة الشحن عبر شبكة من سكك الحديد الحديثة. في هذه الحالة فقط، فإنّ الشحن البري يصبح أوفر وأجدى وأسرع من الشحن البحري؛ وهذا بعيد كل البعد عما يجري الحديث عنه في المشروع الخلّبي الذي يتم تداوله إعلامياً.
من جانبٍ آخر، فإنّ نقطة الاستناد التي تمّ بناء المشروع المفترض عليها، هي أنّ التهديدات الأمنية في البحر الأحمر وبحر العرب، هي ما دفعت إلى تسريع العمل بالجسر البري الذي سيكون آمناً لبعده عن الحوثيين... ولكنّ مجرد النظر إلى الخريطة المرفقة التي يسير فيها هذا الخط كفيلةٌ بتذويب هذا الافتراض؛ فالخط يسير آلاف الكيلومترات قرب الحدود العراقية الجنوبية، ويسير مسافة لا بأس بها قرب الحدود السورية الجنوبية. أي أنّ الإمكانيات النظرية لاستهدافه من قبل مجموعات شبيهة بالحوثيين، هي إمكانيات كبيرة، وربما هي أوسع حتى من إمكانيات استهداف السفن التي تمضي نحو الكيان عبر البحر الأحمر وبحر العرب.
الأهداف
وإذاً، فإنّ المشروع خلّبي بكل المعاني، الاقتصادية والسياسية والأمنية، ولذا ينبغي البحث عن الأهداف من وراء الترويج له، وربما ليس من الصعب العثور على تلك الأهداف:
- الكيان يعلم تماماً أنّ «اتفاقات أبراهام» و«صفقة القرن»، قد باتتا- بأحسن الأحوال من وجهة نظره- مجمدتين إلى أجل غير مسمى، وبأسوأ الأحوال، فقد باتتا نسياً منسياً لا يمكن العودة لهما. ولذا، فليس من المستغرب أن يحاول بث الروح فيهما عبر الإيهام بأنّ الأمور على خير ما يرام، وهاكم الدليل: «الجسر البري».
- ضمن حالة العزلة الدولية الواسعة التي يعيشها الكيان ومعه الأمريكان، والتي تجد إحدى ترجماتها الواضحة في التصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي صوتت فيه 153 دولة مع وقف إطلاق النار، بينما وقفت 10 دول فقط ضده بينها الولايات المتحدة و«إسرائيل» نفسها... ضمن حالة العزلة هذه، فإنه من الضروري الإيحاء بأنّ عدداً من الدول تقف في الحقيقة إلى جانب الكيان وليس ضده، ومن الضروري أكثر الإيحاء بأنّ دولاً عربية ومسلمة تقف إلى جانبها، وهاكم الدليل: «الجسر البري».
- أيضاً، في إطار الوضع الداخلي للكيان، والذي تخيم فوق مستوطنيه حالة من الذعر والهزيمة وفقدان الأمل، لا بد من رفع المعنويات، وإنْ عبر مشاريع خلّبية.
- في المحيط الإقليمي أيضاً، فإنّ من الضرورة بمكان رفع معنويات أولئك الذين يرون مصلحتهم متفقة مع المصلحة الغربية- «الإسرائيلية»، والذين آلمتهم الصفعة يوم 7 أكتوبر بقدر ما آلمت الصهاينة وربما أكثر...
- أبعد من ذلك، فإنّ الكيان يعوّل على أنّ النشر الواسع لأكاذيب من هذا النوع، يمكنه أن يعيد توتير العلاقة بين السعودية وإيران، وبين السعودية واليمن، الأمر الذي يصب في صالحه بكل تأكيد... ولكنّ أجهزة الدول سواء في السعودية أو إيران أو اليمن، لا تعبأ كثيراً أو قليلاً بما يجري ترويجه إعلامياً؛ فالمعلومات الفعلية بين يديها، ولا تأخذها من الإعلام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153