أ. حسن الأطرش: اتهام الحركة بالانفصال وبعلاقة مع الكيان خرافة للالتفاف على الحقوق
للوقوف على المستجدات ضمن الموجة الجديدة من الحركة الشعبية وضمناً في السويداء، التقت قاسيون مع الشخصية الوطنية المعروفة الأستاذ حسن الأطرش، وهو أحد أحفاد قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، وأحد الشخصيات الفاعلة ضمن الأوساط الاجتماعية والسياسية في السويداء، وعلى المستوى السوري.
- السويداء
وفيما يلي نص الحوار:
من الواضح أن هنالك موجة جديدة من الاحتجاجات تجري في مناطق متعددة في سورية. ربما الإعلام يركز على السويداء أكثر من غيرها، ولكن فعلياً الاحتجاجات موجودة بعدة أماكن، وبعدة أشكال. ما هي برأيكم الأسباب الأساسية التي تكمن وراء هذه الاحتجاجات؟
القاعدة الأساسية للاحتجاجات هي حالة القهر والإفقار والتجويع، نتيجة السياسات المتخذة والمكرسة رسمياً ابتداء من العام 2005، مع تبني ما سُمي باقتصاد السوق الاجتماعي، ومعه الاستبداد والإفساد وغياب الحريات. تلك أسبابٌ لا تخطئ في توليد الانفجارات الشعبية. وهو ما حدث في العام 2011، والأسباب ذاتها استمرت وتضاعفت؛ في بعض الجوانب بلغت عشرة أضعاف ما كانت عليه، ونتحدث بشكل خاصٍ عن الصعوبات المتعلقة مثلاً بدخل السواد الأعظم من الأسر السورية، أضف إلى ذلك فقدان الأمن وغياب الأمل بالمستقبل وخاصة لجيل الشباب، وأخيراً، تخلي الدولة بقراراتها الجائرة الأخيرة عن دورها الرعائي، وعن دورها في حماية الناس من الانهيار عبر عمليات رفع الدعم... هذه أسباب أكثر من كافية لتجدد الاحتجاجات.
ينبغي الانتباه إلى أنّ تاريخ الشعوب قد شهد مثل هذه الحالات في أكثر من مكان، وأقصد بالضبط مرور الانتفاضات الشعبية بمرحلتين، بينهما فترة من النضج تجعل من الموجة الجديدة قادرة على إحداث التغيير الجذري، أو على الأقل تحقيق تقدم واضح وعميق في الوصول إلى الأهداف.
حسب مشاهداتكم وحضرتك موجود بشكل يومي بين الناس في إطار نقاش وتفاعل مستمر سواء مع المشتركين بالاحتجاج، أو غير المشتركين ضمن نقاش سياسي يومي. حسب ما ترى هل يمكن القول: إنه هنالك مطالب أساسية مشتركة بين الناس، أم أنّ هنالك طيفاً واسعاً متنوعاً من المطالب؟
الناس بحسهم العفوي السليم لا يفصلون بين المطالب المتعلقة بالحاجات الأساسية التي دمرتها السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، وبين البنية السياسية التي تسببت بهذا الدمار. سرعان ما تعمقت المطالبات من حدود المعاشي الاقتصادي إلى التعبير السياسي، الذي لا يرضى بأقل من المطالبة بتغييرات جذرية يدعوها الناس حالياً الانتقال السياسي، وهذا ما ظهر في الشارع، لا نتكلم عن شيء نظري؛ هذا الشكل من التعبير هو الذي صاغه المحتجون بشعار أصبح منتشراً على الألسن، وهو تطبيق القرار الأممي 2254، وهو مطلب أصبح تقريباً يعم كل مناطق سورية.
هنالك عدد كبير من الاتهامات توجه للحراك في السويداء، ولكن قبل ذلك، هل من الصحيح توصيف الاحتجاجات في السويداء بأنها ذات طابع مناطقي أو ذات طابع محلي؟
يمكنك دائماً أن تجد شخصاً ساذجاً يقول: إنّ المطلوب هو «مصلحة المحافظة»، لكن الحركة ككل لا تختلف في معاناتها عما يكابده الشعب السوري بأسره، خاصة فئاته الكادحة أو المثقفة، ويشعر الناس تماماً بأن مطالبهم ستكون أقوى عندما تتشابك وتتلاقى مع مطالب السوريين بأسرهم... هذا تجد تعبيراته في كلام الناس في الشارع وفي البيوت والمضافات وفي كل مكان، والذين يقولون: إنّ معاناة الفقراء السوريين هي معاناة واحدة في كل المحافظات السورية.
هنالك اتهامات كبيرة يجري توجيهها للحراك؛ اتهامات بالدعوة للانفصال، وبالكلام عن «إدارة ذاتية» و«حكم ذاتي»، وأكثر من ذلك هنالك من يتحدث عن دور «إسرائيلي»، ما رأيك؟
المهم في أي حركة شعبية ليس تأثير الخارج رغم وجوده، بل الذاكرة التاريخية التي لا تمحى، لا يوجد لدى أهل الجبل ما هو أغلى من تراثهم الوطني المتعلق خاصة بالثورة السورية الكبرى 1925 ومساهمتهم ليس فقط بالثورة، وإنما أيضاً في عهود الاستقلال وبناء الدولة الوطنية.
لا تخلو أي مناسبة من المناسبات في الجبل، حتى ذات الطابع الشخصي، من التغني بأبطال التراث الوطني والاعتزاز بالارتباط بالأرض والوطن، ومشهورة هي الأهزوجة التي يكررها الناس صغيراً وكبيراً «تربة وطنا ما نبيعا بالذهب».
بالطبع، هنالك محاولات إعلامية لإيهام سكان المنطقة أو جنوب سورية على العموم، بأنّ لدى الأمريكي قدرات مهولة مرابطة في شرق البلاد، بغرض التأثير على الحراك ومحاولة جره بعيداً عن بوصلته الوطنية. هذا لم يعد ينطلي إلا على السذج وقصيري النظر، والذين لا يشكلون أي وجود ملموس أو مؤثر.
المطالبة بالانفصال أو التقسيم أو أي كلام عن علاقة للحراك بالكيان الصهيوني، هو عبارة عن خرافة لا يلجأ إليها إلا من لم يقتنعوا بعد بأن أسباب الاحتجاج باتت غير قابلة للحل، والمعالجة إلا بالتغيير السياسي الجذري الذي سيفضي إلى بناء وطن موحد لا يرضى أحد بديلاً عنه، هذه مطالب واضحة يعبر عنها المحتجون في شعاراتهم المرفوعة يومياً، وحبذا لو كلّف المتبجحون بهذه التهم أنفسهم المجيء إلى ساحة الاحتجاج والتقاط صور فوتوغرافية بأنفسهم، وسماع الهتافات والأهازيج وهويتها الوطنية الواضحة، أعتقد أن هذا هو الجواب الأبلغ على هذه الاتهامات.
هل هنالك أمثلة يمكن أن تعرضها عن هذا النوع من الهتافات واللافتات؟
نعم طبعاً، هنالك التغني بوقفة أهل الجولان، والمطالبة بإخراج القوات الأجنبية كلها وعلى رأسها وقبل كل شيء المحتل «الإسرائيلي» من الجولان، وهنالك الشعار الذي تم ترداده يوم الجمعة الماضي، وقال: «تسقط تسقط إسرائيل»، عدا عن الشعارات الوطنية بشكل عام، القائلة بوحدة البلاد ووحدة الشعب، ورفض التقسيم من أي جهة جاء، ورفض الإدارة الذاتية.
ضمن الحراك أو الموجة الجديدة من الحركة من الملاحظ أنه يوجد نوعان من الشعارات، النوع الأول: هو شعارات يمكن أن نسميها قديمة، تعود إلى 2011. وهنالك شعارات جديدة. ما هو تفسير هذه الحالة برأيكم؟
الشعارات والهتافات في الاحتجاجات تصدر بعفوية في البداية، وهي لا بد أن تعبر عن الضيق والاحتقان والغليان الكبير، ولا شك أنّ قوة العطالة تلعب دوراً في استعادة شعارات من 2011، إضافة إلى أنه لا بد من وجود أطراف ما زالت مقتنعة برفع تلك الشعارات، والتي باتت تشكل بالنسبة لها نوعاً من الارتباط العاطفي بذلك التاريخ. وهذه الفئات بمعظمها لا تنتمي للمعارضة المتشددة، أو على الأقل فهي ليست على درجة تشددها السابقة نفسها، مع وجود استثناءات قد لا تتعدى أشخاصاً معدودين. الجميع يتقبل تطوير الشعار، وحتى التخلي عن الشعار الذي يرون أنه لا يخدم تطور الحركة. بالعموم، هناك عقلانية يتميز بها جمهور المحافظة، وهذا شيء تاريخي، كذلك الحرص على إنجاح الاحتجاج، هذا كله دفع إلى انحسار التشدد وتوسع العقلانية بالشعارات والوعي السياسي يتطور لدى عموم الناس شيئاً فشيئاً، وبالتجربة الملموسة.
أود التأكيد مرة أخرى، أن شعار المطالبة بتنفيذ القرار 2254 والذي لم يكن سمة عامة منذ سنة فقط، يشكل اليوم قناعة لدى الأكثرية، وهذا يشكل السمة الحقيقية للاحتجاجات اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1139