كارا- مورزا: كيف نستفيد من تجربة «المرور الناعم» الإسبانية؟ (2/2)
من بين الشركات الصغيرة، كانت هنالك أيضاً مؤسسات علمية. تركزت صناعة الإلكترونيات في مدريد. تم تنفيذ 90٪ من الأعمال في المؤسسات الصغيرة، و10٪ في المصانع الرئيسية. كذلك كان الأمر مع معظم الصناعات الأخرى. وكانت تكلفة توفير وظيفة واحدة في مثل هذه الشركات أقل بعشر مرات من تكلفة توفيرها في مصنع كبير. الآن، بالطبع، تم تحديث هذا النظام بأكمله هناك، أصبح أطفال أصدقائي أصحابها، وكلهم حاصلون على تعليم عالٍ.
ترجمة قاسيون
الميزة الأكثر أهمية للمؤسسات الصغيرة، هي قدرتها على استيعاب وتحرير كمية كبيرة من العمالة: يمكن لشركة تضم 5 موظفين بسهولة زيادة عدد الموظفين إلى 20 شخصاً، وتقليله بسهولة مرة أخرى. في وضع مستقر في الغرب، تخلق الشركات الصغيرة 90-95٪ من الوظائف الجديدة. في حالة التقلبات الحادة في سوق العمل (على سبيل المثال: تصفية مصنع كبير)، تعمل المشاريع الصغيرة بمثابة «إسفنج»، يمتص العمالة الزائدة، ويخفف الاضطرابات الاجتماعية. يُعتقد أنه لا يمكن لأي مجتمع ديمقراطي أن يتحمل معدل بطالة يبلغ 10٪ من السكان النشطين. وبلغ معدل البطالة في إسبانيا 17٪. لكن اقتصادها ونظامها الاجتماعي مستقران، لأن معظم العاطلين في الواقع يعملون في مؤسسات صغيرة (وإن كان ذلك من خلال عقود «الظل»). أي إنّ هذه المؤسسات لعبت دور آلية رئيسية لتقليص البطالة الجماعية.
في شركة صغيرة، يكون صاحب المشروع على اتصال شخصي دائم ووثيق مع الموظفين، بحيث يتم تحديد علاقتهم إلى حد كبير، من خلال المعايير الثقافية السائدة في بلد معين، وحتى في منطقة معينة. على سبيل المثال: تختلف علاقات السلطة والسيطرة والعقوبات في الشركات الصغيرة في إقليم الباسك، أو جنوب إسبانيا اختلافاً كبيراً. تصبح العلاقات الاجتماعية داخل مشروع صغير أكثر تعقيداً، بسبب حقيقة أن جزءاً كبيراً من الموظفين مرتبطون برائد الأعمال من خلال علاقات القرابة، أو الملكية، أو الصداقة الشخصية. إن دور هذه العوامل كبير لدرجة أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال اختزال علاقات الإنتاج في بيع وشراء العمالة، بحيث لا يكون نموذج الاقتصاد السياسي مناسباً تماماً لمشروع صغير كهيكل اقتصادي.
فيما يتعلق بالعلاقات الصناعية داخل مؤسسة صغيرة بين أصحابها وموظفيها، في معظم الأعمال المنشورة وفي المحادثات الخاصة، يُلاحظ التأثير الكبير للبنية غير الرسمية على هذه العلاقات. إن الهيكل الهرمي لمشروع كبير يكاد يزيل الطابع الشخصي تماماً عن العلاقات بين الموظف والمالك، بحيث تتم «تنقية» هذه العلاقات، بحيث تصبح علاقات سوق بحته، علاقات شراء وبيع لقوة العمل.
تحدد هذه السمات إلى حد كبير المشاركة الضئيلة للغاية للعمال في المؤسسات الصغيرة في النقابات العمالية، وانخفاض مستوى حدة النزاعات العمالية، والاستخدام الواسع النطاق لعلاقات عمل «الظل» (العمل بدون عقد). ليس من غير المألوف أن تعمل المؤسسة لفترة طويلة مع خسارة، والتي يغطيها صاحب المشروع على حساب الدخل الشخصي الثانوي، ولكن لا يتم طرد الموظفين. على العكس من ذلك، يوافق الموظفون غالباً على العمل لفترة طويلة جداً، ويعانون من عدم الدفع، أو عدم اكتمال دفع الرواتب، وعدم ترك العمل وعدم الدخول في نزاع عمالي.
سمح إنشاء نظام واسع للمؤسسات الصغيرة لإسبانيا بالتغلب بسرعة على أزمة هيكلية حادة والانتقال إلى التطور السريع والازدهار. وهكذا، أزيلت التناقضات الاجتماعية الحادة الناشئة عن رفض السياسة الأبوية للدولة، وتحويل الصناعة الثقيلة. بدون استثمارات رأسمالية كبيرة، حالت الشركات الصغيرة دون إفقار وتهميش جماهير كبيرة من الناس.
ماذا يمكنني أن أقول؟ لقد تم إنجاز عمل عظيم، في غضون عشر سنوات اقتحمت إسبانيا صفوف البلدان المتقدمة للغاية، كانت تتغير أمام أعيننا. مع فرحة عمل الناس، كم كان ممتعاً أن تكون في هذه الفرق الودية. من بين أصحاب الشركات كان هناك العديد من الشيوعيين. لم تتدخل قناعاتهم في القضية على الإطلاق، لأنهم كانوا رواد أعمال وليسوا رأسماليين. لم يتسبب وضعهم في أية عداوة طبقية، فقد تم احترامهم لمهارتهم وعملهم، ولم يسحبوا الأموال من المؤسسة. كان ربحهم الشخصي المعتاد معادلاً في حجمه «الراتب الثاني».
وكيف كانوا يحلمون بنقل هذه التجربة إلينا في روسيا، وكم كانت هناك مقترحات. لقد كانوا على استعداد لاستثمار الأموال في مشاريع مماثلة في بلدنا، وليس لتصدير الأرباح على الإطلاق، لإعادة استثمارها- امتناناً لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لحقيقة أننا قمنا بإيواء أطفال الجمهوريين. لقد اكتشفت كيف ستسير هذه الأعمال مع موظفينا، وجربتها على أصدقائي المهندسين والعلماء والعاملين- كان من الممكن أن يكون الأمر رائعاً...
الآن سيكون الفيتناميون والصينيون، الذين يتذكر بعضهم مساعدتنا، أكثر اهتماماً بمهمة نقل تجربتهم إلينا. لكن يمكننا البناء على العناصر الفردية للطرق الموضحة هنا، مع التعلم من التجارب التي عملوا فيها بنجاح.
هذا هو البديل لمشروعٍ محافظ لإعادة الاقتصاد، دون رفض ثوري لتلك المؤسسات والأشكال التي تشكلت بعد عام 1991 وأظهرت قابليتها للاستمرار. ننطلق من افتراض أنه في روسيا من الممكن تجميع بعض الهياكل الاقتصادية الجديدة و»القديمة المتجددة»، وتفاعلها على أساس التعايش وليس التطفل.
جمعت اتفاقيات مونكلوا بين المكونات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وكان لها تأثير ملحوظ على تنمية البلاد.
الآن في روسيا، خلال الاشتباك المتصاعد مع الغرب، تحتاج البلاد بشكل خاص إلى الوحدة. لتحقيق ذلك، سيكون من المهم لو تُنجز خطوة ملحوظة تشبه إلى حد ما توقيع مواثيق Moncloa في إسبانيا. يوجد الآن في مجلس الدوما صراع برلماني عادي عن طريق التسويات غير المرئية للناس العاديين من أجل الترويج لمشاريع قوانين مختلفة. يمكن توضيح بعض هذه التنازلات وإدراجها في الاتفاقية الرسمية بين أحزاب مجلس الدوما في روسيا.
لقراءة الجزء الأول من المقال : كارا- مورزا: كيف نستفيد من تجربة «المرور الناعم» الإسبانية؟ (1/2)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1116