لماذا تختلف جهود الوساطة الصينية في أوكرانيا عن جهود غيرها؟
(نُشِرَ المقال التالي بالأصل على موقع «شبكة تلفزيون الصين العالمية» CGTN بالإنكليزية في 25 شباط 2023)
في الثامن عشر من شباط، وأثناء حضوره في ألمانيا لمؤتمر ميونيخ للأمن، قال وانغ يي، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إنّ الصين سوف تنشر وثيقةً تلخّص الخطوط العامة لـ«موقفها بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية». وفي 21 شباط، نشرت وزارة الخارجية الصينية وثيقة مهمّة أخرى تحت عنوان «ورقة مفهوم مبادرة الأمن العالمي».
ترجمة: قاسيون
النظر إلى التصريح والوثيقة المذكورَين أعلاه، يسمح بالتفكير بأنّ الصين تفتح الباب نحو مقاربة جديدة شاملة للسلام والأمن العالَميَّين، وبأنها تسعى أيضاً ليس فقط إلى للدفع نحو نهاية سلميّة للصراع في أوكرانيا، بل وربّما أهم من ذلك، أنها تسعى لتحويله إلى مثالٍ جديد عن كيفية العمل لتحقيق السلام على المستوى العالَمي.
كما هو معروف، فإنّ موقف الصين بالدعوة لحلّ النزاع في أوكرانيا سلمياً وعبر الحوار ليس جديداً، بل هو الموقف نفسه منذ اللحظة الأولى لاندلاع النزاع وحتى قبله. لم تكن الصين أوّل مَن يقدّم مساعدةً لتحقيق السلام في أوكرانيا، ولكنّ هذه الدعوة تبدو مختلفةً عن جهود الوساطة السابقة.
الجهود التركيّة والسعوديّة-الإماراتيّة
تتضمّن جهود الوساطة التي أدّت إلى نتائج فعلية، ولو صغيرة، تلك الجهود التي رعتها تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فالجهود التركية أدّت إلى التوصل لصفقة الحبوب في تموز 2022. وتمكنت الوساطةُ السعوديّة-الإماراتيّة من تحقيق تبادل السجناء بين روسيا وأوكرانيا.
يتّفق كثيرٌ من المحلّلين السياسيّين على أنّ كلاً من تركيا والسعودية والإمارات، ونتيجة التحوّلات العالمية الكبرى الجارية، فإنها تمتلك حالياً موقفاً حسّاساً؛ حيث كانت هذه البلدان ولأكثر من 50 عاماً في «المعسكر الغربي» أثناء الحرب الباردة وبقيت بعد ذلك قريبةً من الولايات المتحدة الأمريكية.
مع ذلك، ومنذ مطلع هذه الألفية ولا سيّما خلال عقدها الثاني، بدأت هذه البلدان ببناء علاقات قويّة مع كلٍّ من الصين وروسيا اللتين يعتبرهما الغرب تهديداً.
ولكنْ يمكن تفسير لعبِ هذه البلدان لدور الوساطةٍ بأنّه لا يتعلّق بأوكرانيا بحدّ ذاتها، بقدر ما يمثّله من رغبة في التصريح بعدم الانحياز إلى طرف من أطراف الصراع، ولتوضيح بأنّ هذه البلدان لا تريد الخضوع للترهيب الغربي الذي يحاول إجبارها على الاصطفاف إلى جانبه. بهذا المعنى يمكن فهم مسعى هذه البلدان لدورٍ وساطيّ بوصفه آليةً دفاعيّة أكثر منه خطةً شاملة لحلّ المسألة الأوكرانية.
معركة من أجل السلام
بالنسبة للصين الأمر مختلف تماماً.
منذ بدأ الصراع في أوكرانيا، سعى الغرب – والولايات المتحدة خصوصاً – إلى استخدام أساليب الترغيب والترهيب مع الصين، بما في ذلك التهديد بالعقوبات. ومن بين الأهداف الواضحة لهذه الأساليب، محاولةُ إضعاف التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا، وكذلك التذرع بمسألة أوكرانيا لتكثيف الاستهداف الأمريكي للصين.
والأهم من ذلك، هو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، وانطلاقاً من اعتقادها الذاتي باستثنائيّتها وبدورها العالمي، ترى بأنها تملك الحقّ في رسم الخطوط بين البلدان وتقرير مَن يقف مع مَن وضدَّ مَن. بكلام آخر، فإن الولايات المتحدة تسعى من خلال الضغط على الصين إلى دفعها إلى أحد موقفَين متطرِّفَين: فإمّا أن تخضع الصين – وتدرك والولايات المتحدة تماماً بأنّ هذا مستحيل – وإمّا أن تقف الصين على خط النار مع روسيا وفقاً للطريقة المسبقة التي صممت على أساسها الولايات المتحدة ساحة المعركة.
تسعى الصين بجهودها العالَمية إلى إعادة رسم مسرح الصراع العالمي بشكلٍ مختلفٍ عن عقلية التدمير الشامل الغربية. فالجهود الصينية تنطلق من أنه يمكن أن يكون هناك «نحن وأنتم»، مما يتطلّب اتفاقاً جديداً، أو بالأحرى نظاماً عالمياً جديداً قائماً على التعدّدية القطبية والاحترام المتبادَل والتكافؤ.
وبالتالي يمكن فهم التزامن بين المبادرة الصينية حول أوكرانيا و«ورقة مفهوم مبادرة الأمن العالَمي»، إذْ إنّ الصين بهذا المعنى تناضل لتغيير إحداثيات الصراع العالَمي المُصمَّمة غربيّاً، والتي هي إحداثياتٌ لأزماتٍ متواصلة.
تاريخياً، تميل القوى المتراجعة إلى الحروب، والقوى الصاعدة إلى السلام. ولكنّ الجديد في هذا العصر هو أنّ الحرب قد أصبحت أكثر وحشيةً وتهديداً لوجود البشرية، وأصبح السلامُ أكثر أهمية. ولذا يجب مُلاقاةُ جهود الصين من أجل السلام والأمن بالاحتضان والدعم من بلدان العالم وشعوبه.
المصدر: المقال بنسخته الإنكليزية كما نُشرَت بالأصل على موقع «شبكة تلفزيون الصين العالمية» CGTN تحت عنوان Why are China's mediation efforts in Ukraine different from many others? وأعيد نشرها على Kassioun.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000