هل يمكن جعل الرز «المسوّس» مطابقاً للمواصفات السورية؟

هل يمكن جعل الرز «المسوّس» مطابقاً للمواصفات السورية؟

ربما لم يبقَ سوريّ لم يسمع بقضية غزو جحافل من حشرات السوس لكميات من الرز «المدعوم» في مخازن وصالات المؤسسة السورية للتجارة، وكيف أن هذه الخسارة التي لا نعلم حتى الآن أرقامها بالضبط، لعدم توضيح ذلك من الحكومة حتى الآن، كانت تحديداً إحدى ضحايا «الذكاء» الاصطناعي الحكومي الذي فضّل إطعام الرز للحشرات بدلاً من المواطنين، وتأخر كثيراً حتى بأبسط حلّ بديهي بفصل رسائل الرز عن السكر، والذي لم يطبق إلا بعد أن كان «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب»، وانتقلت الوزارة إلى الخطة «ب»: دعوة المواطنين لاستبدال الرز من الصالة التي اشتروه منها، والوعد بـ «تعقيم» الرز المسوس «بالطريقة الصحية السليمة». نحاول فيما يلي الإجابة عن سؤال: هل يمكن معالجة الرز بعد تسوسه بحيث يعود صالحاً للاستهلاك البشري وفق المواصفات القياسية السورية؟

مواصفات قياسية «سِرّية»؟

لا بدّ في البداية من الإشارة إلى المشكلة التالية التي لاحظناها أثناء السعي للبحث عن جواب علميّ للسؤال المطروح في المقدّمة: ألا وهي أنّ أحدث إصدار من المواصفات القياسية السورية على الموقع الرسمي لهيئة المواصفات والمقاييس السورية، كانت من «الشفافية» بمكان بحيث يمنع الحصول عليها مجاناً أو بسهولة، فعلى زائر الموقع الاشتراك وتقديم معلوماته الشخصية و«الغرض» الذي من أجله سوف يستخدم معلومات المواصفات، وكأن معرفة هذه المواصفات القياسية أمر «سرّي» وليس حقاً بديهياُ أن يعرفها بسهولة أيّ مواطن، أو مستهلك يريد حماية نفسه وعائلته من بضائع قد تكون في السوق غير مطابقة للمواصفات، أو بحالة الغذاء قد تكون «غير صالحة للاستهلاك البشري»!

المواصفة السورية لصلاحية الرز للاستهلاك البشري

تقول وثيقة المواصفة القياسية السورية رقم 319 لعام 1995 الصادرة عن الهيئة وموضوعها «الرز» - التعديل الثالث- بأنّ هذه المواصفة «تحدد الشروط العامة الواجب توافرها في أنواع الرز المعدّ للاستهلاك البشري، وهي تنطبق على أنواع الرز المقشور- الرز الأبيض بأنواعه والرز المغلي/ المسبق غليه».
وتحت البند 3/3 «الشروط العامة للرز الأبيض» الفقرة 8 يرد ما يلي:
«يجب أن تتخذ كافة الإجراءات المناسبة على إرساليات الرز بما في ذلك عمليات التعقيم، بحيث يكون الرز قبل إدخاله ووضعه في الاستهلاك: خالياً من الحشرات الحيّة والأكاروس أو أحد أطوارها». ونوضح للقارئ هنا، بأن ذلك يشمل حشرة السوس بالطبع weevil أما الأكاروس Acari فهي القرّاديّات من مفصليات الأرجل من طائفة العنكبوتيات وشعبة كلّابيات القرون.
ثم تتابع المواصفة شروطها، بأن يكون الرز «خالياً من الحشرات الميتة وأجزائها في الرز من الصنف الأول» و«ألّا يزيد عدد الحشرات الميتة على 30 حشرة أو أكاروس أو أحد أطوارها في 100 كغ في باقي الأصناف» وشدّدت المواصفة على أنه «تُرفَض إرساليات الرز إذا زاد عدد الحشرات الميتة على 30 حشرة ميتة أو أجزائها في 100 كغ».
وتضيف الوثيقة الملاحظة التالية: «عند حساب نسبة الحشرات الميتة يعتبر أكثر من نصف الحشرة أو كل جزأين أساسيّين من الحشرة، مثلاً: رأس وصدر، حشرةً ميتة واحدة».

هل يمكن معالجة الرز «المدعوم» بالسوس ليطابق المواصفة؟

قام كثير من المواطنين بتوثيق أعداد حشرة السوس الحي التي تسرح وتمرح في أكياس رز اشتروها من صالات السورية للتجارة، وانتشرت صور وفيديوهات لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يظهر منها بوضوح أنها قد تصل أحياناً إلى 30 حشرة سوس حيّة في الكيلو الواحد، مما يجعل من الصعب التصور بأنه حتى لو تمت إبادتها بطريقة ما، أن تصبح كميات الرز المصابة هذه مطابقة لشروط الاستهلاك البشري المنصوص عليها بالمواصفة القياسية السورية المذكورة أعلاه، وألّا تتجاوز الحشرات المقتولة 30 حشرة ميتة في كل 100 كغ، كما تشترط المواصفة!

هاجس إضافي: سمّية المبيدات

المتداول في الإعلام العربي والعالمي حول حالات تسوس الحبوب المخزونة ومنها: الرز، أنه من بين طرق معالجتها الكيميائية استخدام مبيد فوسفيد الألمنيوم، ولكن المشكلة أنه مادة سامة أيضاً للبشر، وبالفعل حدثت في إحدى المرات حالات تسمم ووفيات بسبب استخدامها من فلاحين مصريين لإبعاد الحشرات عن مخزونات القمح لديهم، وغالباً بسبب استعمال خاطئ. ولكن السؤال المشروع لأي مواطن هنا: هل يمكن الوثوق بأن تلتزم الجهات الرسمية المعنية بالقواعد العلمية والصحية السليمة للمعالجة حتى لو أرادت «إعادة تدوير» الرز المسوّس لإطعامنا إياه؟

سوابق وثّقتها قاسيون عن فساد باستيراد الرزّ

طول التخزين داخل سورية ليس بالضرورة أن يكون هو السبب الوحيد أو الأكيد لوجود السوس في الرز، حيث هناك سوابق اشتباه عالية بأنّ هناك صفقات فساد باستيراد الرز قد تم تمريرها. فعلى سبيل المثال: نشرت «قاسيون» بتاريخ 28 تشرين الأول 2011 تحت عنوان «كتاب اللجنة النقابية فضح صفقة الرز الفاسد» عن الكتاب رقم 23- ص. ل بتاريخ 18/8/2011 الذي وجّهته آنذاك اللجنة النقابية للعاملين في فرع المؤسسة العامة الاستهلاكية في اللاذقية بخصوص الباخرة «سي بي كونفيدنس» والتي تم على متنها استيراد رز إلى سورية كان يحوي على «العفن والحشرات الحية» حتى منذ بداية تفريغ حمولة السيارات، وليس بعد تخزينه داخل سورية، كما ورد في مقال «قاسيون» آنذاك وفق «شكاوى فروع الاستهلاكية في المحافظات بوجود عيب بالمادة (صدأ)» وكذلك «بقايا لآثار مواد التعقيم فوسفيد الألمنيوم» وبقايا المعقم ما زالت على شوالات الرز لتلك الشحنة المستورَدة عبر صفقة فساد مشؤومة.
فهل «السوس» الحقيقي هذه المرة أيضاً بعد عشر سنوات من تلك الحادثة هو أيضاً «سوس» فساد أكثر منه «سوس» تخزين؟ وماذا يضمن للمواطنين بالتالي بظل استشراء الفساد، أنه حتى لو استخدمت الوزارة مواد كيميائية ومبيدات معينة لمعالجة الرز المسوس، ألّا يصبح ذلك هروباً من تحت «دلف» تسويس رزّ المستهلك إلى تحت «مزراب» تسميم المستهلك؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1043
آخر تعديل على الجمعة, 12 تشرين2/نوفمبر 2021 23:14