وحدة المصير.. ملاحظات حول القضية الكردية في سورية...
ديما النجار- يونغه فلت ديما النجار- يونغه فلت

وحدة المصير.. ملاحظات حول القضية الكردية في سورية...

عند الحديث عن القضية الكردية في سورية، غالباً ما يتم الخلط بينها وبين مسألة الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية. وكثيراً ما يدور الحديث عن «الإدارة الذاتية الكردية»!

ترجمة قاسيون

مع أن لهذا الخلط أسباباً موضوعية، حيث إنّ القيادة الفعلية للإدارة الذاتية هم من الكرد السوريين. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مناطق الشمال الشرقي السوري هي من المناطق التي يسكنها الكرد بكثافة عالية- مقارنة ببقية المناطق السورية. لكن هذا الخلط فيه سياقات عديدة ونوايا خفية أبعد!
يعمل الغرب الإمبريالي على تكريس المنطق الجغرافي البحت في التعامل مع القضية الكردية، والقصد من ورائه ليس بأية حال إتاحة حل حقيقي للقضية الكردية، ولا إعادة الحقوق المسلوبة للأكراد. إن المنطق الجغرافي هو الأنسب لزيادة تفتيت المنطقة، وبالحد الأدنى، يمكن استخدامه كأداة للصراع البيني الداخلي بين شعوبها.
يتواجد الكرد على امتداد المساحة الجغرافية لسورية، كما أن شمال شرق سورية هي مكان متنوع قومياً واثنياً من كرد وعرب وسريان وقوميات أخرى أصغر، وجميعهم سوريون أصلاء! خلافاً لما يفترضه بعض القوميين. فهؤلاء شعوب جمعتهم تاريخياً المعاناة من كل الملمات التي حلت بالمنطقة جرّاء المشاريع الإمبريالية- رغم الصراعات التي جرت بين نخبهم- وكذلك معاناتهم من السياسات اللاديمقراطية للأنظمة في المنطقة. ولا يمكن أن يكون لهذه الشعوب مستقبلٌ إلّا بتوصلها لتوافقات يندمج فيها تقرير المصير بوحدته.

حول القضية الكردية

تعود تعقيدات القضية الكردية في القرن الماضي، إلى اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916 التي تقاسمت وفقها بريطانيا وفرنسا مناطق نفوذهما في الشرق الأوسط. حيث رسمت وبشكل مقصود حدوداً ملغمة بشتى أنواع المشكلات، كمشكلات المياه والنزاعات القومية.
ونتيجة لارتباط القضية الكردية بأربع دول: تركيا، إيران، العراق، سورية، فإن أي تغير في القضية الكردية في أحد هذه البلدان منفردة كان يؤدي إلى ردود أفعال من ثلاثة بلدان، ومن كل من حلفائها الدوليين، مما جعلها مسرحاً للصراع الدولي الذي لطالما كانت فيه مصلحة الشعب الكردي- ومصلحة الشعوب الأخرى- ثانوية.
للخروج من عنق الزجاجة، لا بد من النضال مع القوى التقدمية المحلية في كل من البلدان الأربعة من أجل رفع الظلم القومي في إطار كل بلد ولإحداث تغييرات ديمقراطية اقتصادية اجتماعية جذرية. وبهذا يُفتح المجال لإيجاد حل عام للقضية الكردية في إطار التفاهمات الطوعية بين الشعوب.

القضية الكردية في سورية

ثمة عاملان أساسيان لظهور القضية الكردية في سورية: نشوء التيارات القومية العربية المختلفة في الخمسينات ثم التيارات القومية الكردية. ومنذ عام 1958 تولى القوميون العرب السلطة، ومذ ذاك جرى اتباع سياسات تمييزية مع الأكراد. الأمر الآخر المهم هو: الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 في الحسكة. حيث تحالفت التيارات الشوفينية القومية في الحكومة السورية مع كبار ملاك الأراضي- من بينهم كبار ملاك أكراد- ضد فقراء الفلاحين الأكراد. كان هؤلاء قد حصلوا في السابق على حقوق جديدة في الأرض بسبب الإصلاح الزراعي- ثم حرموا منها عبر حرمانهم من جنسيتهم.
أخذاً بعين الاعتبار ظروف نشوء القضية الكردية وتطورها اللاحق، نرى أن القضية الكردية تعتبر جزءاً أساسياً من القضية الديمقراطية العامة للشعب السوري بأكمله، وحلّها يجب ولا يمكن أن يكون إلّا من خلال التعاون بين مختلف المضطهدين في سورية. بالإضافة إلى أنه من الضروري الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية كمكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وضمان حقوق المواطنة المتساوية الكاملة، وضمناً حقوقهم الثقافية واللغوية.

حول الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية

نشأت الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية- نتيجة تعقيدات الأزمة السورية- كضرورة موضوعية بعد انسحاب أجهزة الدولة من المنطقة. وبذلك ظهرت لأول مرة فرصة تاريخية لأبناء تلك المنطقة لكي يجربوا إدارة شؤونهم بأنفسهم. سادت سورية منذ الاستقلال عام 1946 المركزية المطلقة التي كانت ضرورة في المراحل الأولى لنشوء الدولة الحديثة، ولكن مع الوقت بدأت تتحول إلى معيق أساسي للنمو لتحولها إلى أداة لمركزة الفساد الذي تعرضت عبره كثير من المناطق في سورية للنهب.

إن تعامل غالبية القوى السياسية السورية حالياً مع مفهومي المركزية واللامركزية بوصفهما نقيضين هو استخدام تضليلي. فغالباً ما استخدم ذلك للدفع إلى الاستقطاب السياسي. لدى جميع السوريين قناعة لا خلاف عليها بأن سورية يجب أن تبقى واحدة أرضاً وشعباً، مما يعني بلداً لها مركز. لكن- ولأجل ذلك- لابد من حوار ديمقراطي يشمل الشعب السوري حول توزيع الصلاحيات بين المركز ومناطق البلاد الأخرى. فعلاقة صحية بين المركزية واللامركزية يجب أن تراعي من ناحية تطور علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج في كل مراحل تطورها، ومن ناحية أخرى هشاشة الوضع بعد الحرب، بحيث نصل إلى صيغة بينهما لا تعطل حدوث نهضة في البلاد.
بهذا المعنى فإنّ إيجاد صيغة متقدمة للعلاقة بين المركزية واللامركزية هي حاجة موضوعية وتاريخية تتعلق بالتطور السوري العام، وليس بجزءٍ محدد من سورية فقط.

«أخيار وأشرار»

هنالك إيجابيات عديدة ضمن تجربة الإدارة الذاتية؛ سواء ما يتعلق باحترام حقوق المرأة، وقبل كل شيء محاربة داعش، خاصة المقاومة الشعبية البطولية في كوباني (عين العرب)، التي شكلت المثال الأول لمقاومة شعبية للإرهاب في المنطقة- وذلك حتى قبل تدخل ما يعرف بالتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ولكن توجد أيضاً سلبيات عديدة، تتضمن التضييق السياسي والفساد والتعامل اللاديمقراطي فيما يخص النظام التعليمي الجديد المفروض في المنطقة.
ولعل المشكلة الأساسية في الإدارة الذاتية، هي أن قسماً من قادتها لا يزال يعتبر الأمريكي حليفاً، الأمر الذي يناقض كل التجربة المتراكمة حتى الآن، والتي توضح بأن السياسة الأمريكية في المنطقة تهدف إلى عزل الشمال الشرقي. فهي تهدف إلى إضعاف كل الأطراف عبر تهديد كلٍ منها بالآخر، وتقديم الولايات المتحدة نفسها كمنقذ. إن الولايات المتحدة هي عدو واضح، ولا يجب اتخاذها كحليف، لا تكتيكياً ولا إستراتيجياً؛ فهدفها في كل المنطقة- بحسب تعبير كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية تحت حكم جورج بوش- «الفوضى الخلاقة» ولتحقيق ذلك تقوم بضرب السوريين بعضهم ببعض. إضافة إلى أن مثل هذا التحالف يُقوّض العلاقة بين السوريين، ويسيء إلى تجربة الإدارة الذاتية.

إن وصفة «الأخيار والأشرار» في التعامل مع الأزمة السورية هي وصفة سامة لا بد من التخلص منها. وكانت قد استخدمت لحشر السوريين في فئتي (مع المعارضة vs. مع النظام)، وتستخدم من جديد لحشرهم بفئتي أكراد vs. عرب... هكذا تعامل يساهم- بقصد أو بغير قصد- في تعميق الهوة بين أبناء الشعب الواحد، وفي إطالة أمد الحرب، ويُصعّب الحل السياسي. يساهم كذلك العديد من اليساريين الأوروبيين في تلك الإشكالية من خلال التعامل اللا نقدي مع الجوانب السلبية للإدارة الذاتية.
للاستفادة على المستوى الوطني من تجربة الإدارة الذاتية بإيجابياتها وسلبياتها لا بد من حوار واسع النطاق بين السوريين، يشمل كل الأطراف السياسية في البلاد. كل ذلك كجزء من الطريق المؤدية إلى الحل السياسي الشامل على أساس القرار الدولي لمجلس الأمن 2254 لعام 2015، الذي جوهره ضمان حق الشعب السوري في تقرير مصيره. ومذكرة التفاهم التي وقعت في آب 2020 بين حزب الإرادة الشعبية ومسد كان خطوة في هذا الاتجاه.

نشرت في يونغه فلت بتاريخ 10 آذار الجاري

معلومات إضافية

العدد رقم:
1009
آخر تعديل على الإثنين, 15 آذار/مارس 2021 09:44