التقدم الصيني والوضع الأمريكي «غير المؤاتِ»
سعد خطار سعد خطار

التقدم الصيني والوضع الأمريكي «غير المؤاتِ»

حتى الآن، لا تزال بعض الأوساط تؤمن بأنه ليس هنالك في يد الصين ما يسمح لها بمواجهة الضغوطات الأمريكية المتزايدة عليها، والدفع نحو تسريع عملية تراجع الوزن الأمريكي العالمي، مستندة في ذلك إلى دور الدولار في التبادلات العالمية، والنفوذ الاقتصادي والسياسي والعسكري للولايات المتحدة، وعملية الإرباك التي تجريها من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، التي توحي بأن الطرف الذي يفرضها لا يزال يتمتع بموقعٍ متفرد في العالم، خلافاً للحقائق التي تظهر في العالم اليوم.

في السنوات القليلة الماضية، كثفت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب التحركات المناهضة للصين، وحتى لو لم يُعد انتخاب ترامب في شهر تشرين الثاني المقبل، فإن «الديمقراطيين» كانوا قد استبقوا التكهنات من خلال مراكز أبحاثهم، التي أكدت أنه من المستبعد أن يتم تغيير هذا التوجه الأمريكي ضد الصين، في حال لم يربح ترامب. فماذا في جعبة الصين لخوض هذه المواجهة؟

ثلاث خطوات اقتصادية

أعدت الصين نفسها ضد احتمال التضييق الأمريكي لعدة سنوات. ومن أدوات عملية الإعداد هذه كانت هنالك ثلاثة مشاريع دولية أساسية: البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية (AIIB) الذي أطلقته الصين في 2013- 2014 وانضمت إلى عضويته أكثر من مئة دولة، وبنك التنمية الجديد (NDB)، الذي تم اقتراحه في 2013- 2014 وبدأ تشغيله في عام 2015، والذي أجرى خلال العامين الماضيين عدة صفقات مهمة بين الصين وروسيا، والصين وإيران. وأخيراً، مشروع «الحزام والطريق» الذي تم إطلاقه في عام 2013، والذي انضمت إليه أكثر من 130 دولة، وحوالي 30 منظمة دولية، وهو المشروع الذي يعتبر اليوم حجر الأساس الأول في ربط القارتين الآسيوية والأوروبية في إطار المشروع الأوراسي.
ومن الملاحظ هنا، أن الارتباك الأوروبي- الذي يتخذه البعض ذريعة للحكم بفشل المشروع الأوراسي- يشهد اليوم العديد من التغيرات، حيث إن النخب الحاكمة في أوروبا، والتي اعتادت سابقاً على التبعية للولايات المتحدة تصطدم اليوم اصطداماً مباشراً مع نهج ترامب الأحادي «أمريكا أولاً»، والذي بات يستهدف الصناعات والشركات الأوروبية بالعقوبات الاقتصادية، في حال ذهبت هذه النخبة إلى خيار الانعطاف نحو الشرق، وهو الخيار المنطقي فعلياً في ظل غياب أية بدائل أمريكية تنافس بشكلٍ حقيقي، ما يمكن أن تقدمه العلاقات مع الشرق من منفعة إلى عموم دول القارة الأوروبية.
وتعد هذه المشاريع أرضية خصبة لإنجاز الهدف الصيني الروسي المشترك، المتمثل في كسر الهيمنة الأمريكية، ولاسيما في مسألة استبعاد الدولار الأمريكي من التبادلات التجارية البينية، مع الدول التي تبحث عن مخارج لها من المآزق الاقتصادية، بما في ذلك سلاح العقوبات الأمريكية ضمناً.

التقدم التكنولوجي

تحاول الولايات المتحدة أن تمنع الصين من أن تكون ورشة العالم، وضمناً أن تكون أكبر منتج تكنولوجيا في العالم، وهذا هو السبب في أن الحكومة الأمريكية– مدفوعة من كبار شركات وادي السيليكون– لا تزال تحاول التضييق ضد شركة التكنولوجيا الصينية «هواوي». حيث تهيمن «هواوي» حالياً على الجيل التالي من التكنولوجيا اللاسلكية عالية السرعة 5G، وتأتي شركة «إريكسون» السويدية و«نوكيا» الفنلندية في المراتب اللاحقة، ولكن لا توجد شركة أمريكية قريبة من هؤلاء الثلاثة في إنتاج تقنية 5G.
وتتمتع شبكة الجيل الخامس بإمكانية إحداث ثورة في الصناعات الأخرى أيضاً، حيث ستكسب تقنيات، مثل: المركبات ذاتية القيادة، وفوائد هائلة من نقل البيانات بشكل أسرع وأكبر. كما ستعمل هذه الشبكات أيضاً على تحسين «إنترنت الأشياء» من خلال زيادة كمية وسرعة تدفق البيانات بين أجهزة متعددة، أي: إنها ستحل محل العمود الفقري للألياف الضوئية، الذي تعتمد عليه العديد من الأسر حول العالم. بمعنى أن الدولة التي ستكون سباقة في شبكات الجيل الخامس، وستكون سباقة أيضاً في مروحة واسعة من الابتكارات الجديدة، فضلاً عن قدرتها على وضع المعايير لهذه الابتكارات، التي سيتم استخدامها حول العالم. لكن الولايات المتحدة غير قادرة على أن تكون هذه الدولة، ذلك لأن الشركات الأمريكية غير قادرة على تصنيع المعدات التي تصنعها حالياً شركة هواوي وغيرها، ولا يوجد ما يشير إلى أن شركتي AT&T وVerizon الأمريكيتين ستكونان قادرتين على التصنيع بسرعة تضاهي الصين. والملفت في الأمر، أن الدولة التي ستتخذ قراراً بعدم الاستفادة من هذه التقنية لأسباب سياسية ستدفع نفسها نحو التخلف التكنولوجي حتماً.

ثغرة عسكرية تؤرق الأمريكي

كان السناتور الجمهوري الأمريكي توم كوتون أول من أثار مسألة أن برنامج التحديث العسكري الصيني قد خلق فجوة صاروخية لصالح الصين، ففي آذار 2018، سأل كوتون الأدميرال هاري هاريس، قائد القيادة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ (وهو سفير الولايات المتحدة الآن في كوريا الجنوبية)، عن صواريخ الصين، ليؤكد الأخير: «نحن في وضع غير مؤاتٍ في ما يتعلق بالصين اليوم، بمعنى أن الصين بات لديها صواريخ بالستية أرضية قادرة على تهديد قاعدتنا وسفننا في غرب المحيط الهادئ»، و«لتصحيح ذلك»، اقترح هاريس خروج الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF)، وهو ما فعله ترامب في أوائل عام 2019 (تحجج ترامب وقتها بعدم امتثال روسيا للمعاهدة، لكن كان من الواضح أن الهدف الحقيقي هو الخوف من هذه الثغرة الجديدة التي خلقتها بكين)، وفي شهر آب من العام ذاته، بدأت واشنطن الاختبارات على صاروخ متوسط المدى في محاولة لسد هذه الفجوة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الإثنين, 10 آب/أغسطس 2020 13:39