افتتاحية قاسيون| «قيصر»: ركبة الشرطي الأمريكي!
تدخل حزمة العقوبات الإجرامية الأمريكية الجديدة الممهورة باسم «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين» حيّز التنفيذ منتصف الشهر الجاري. هذه الحزمة وإذ تشدد تأثير حزم العقوبات السابقة بشكل هائل، فإنها تمتاز عنها بأنها توسع تأثير العقوبات ليس في الداخل السوري فحسب، بل وتمارس بلطجة دولية على أي نمط من أنماط التعامل الثنائي بين سورية وأي دولة من دول العالم، بما في ذلك في المجالات الغذائية والصحية.
إنّ النظر في تاريخ العقوبات الأمريكية والغربية على سورية وغيرها، ورغم ادعائها أنها تهدف لتغيير نظام ما أو تغيير سلوكه، في هذه الدولة أو تلك، إلا أنها لم تحقق في أي مرة هدفها المعلن، بل حققت دائماً إفقار وإضعاف الدول المعنية، وتعميق مآسي شعوبها، بل وإنها في حالات عديدة لعبت دوراً معززاً لقوى الفساد الكبير ومافياته، التي تدّعي محاربتها. المثال السوري في هذا الشأن أكثر من واضح، وقد بيّنت قاسيون بالأرقام وعبر أعداد متتالية، آثار العقوبات على البضائع الأكثر أساسية لمعيشة السوريين، وكذلك طرق استفادة الفاسدين الكبار من العقوبات لتضخيم أرباحهم من عمليات الاستيراد بشكل فلكي.
وبكلمة موجزة، فإنّ قانون قيصر هو ركبة الشرطي الأمريكي التي تضغط على رقبة الشعب السوري محاولة قتله خنقاً، كشأنها في التعامل مع المواطن الأمريكي جورج فلويد... وإنّ موافقة أي سوري على قيصر أو ابتهاجه به، إنما هو خيانة وطنية للشعب السوري.
إنّ المرء ليحتاج قدراً فلكياً من عمى البصر والبصيرة حتى تغيب عنه الأفعال الأمريكية الواضحة في محاولات تعويم النصرة ومنع تنفيذ سوتشي، وكذا في محاولات عزل الشمال الشرقي السوري عبر الاستغلال الوقح للقضية الكردية، وقبل ذلك في الموقف من «ضم الجولان السوري المحتل». كما أنّ أولئك الذين يهللون لـ«قيصر»، يحتاجون بالتأكيد لغض النظر عن التصريح الوقح لجيمس جيفري الذي بيّن فيه منتهى غاياته وغايات إدارته في سورية حين قال: «وظيفتي أن أجعلها (سورية) مستنقعاً للروس». وبكلام آخر فإنّ العدو رقم واحد على المستوى الدولي لتنفيذ 2254 ليس إلا الأمريكي نفسه.
رغم ذلك، فإنّ المستفيد من «تحويل سورية إلى مستنقع»، ليس الأمريكي وحده، بل ويشاركه الصهيوني هذا الاستهداف، وكذلك الفاسدون الكبار وتجار الحرب الداخليون من طرفي الأزمة، والذين يرقى تنفيذ القرار بالنسبة لهم إلى مستوى حكم إعدام بحق نهبهم وقمعهم.
2254، وإن كان يعني في جوهره حق الشعب السوري في تقرير مصيره ومصير دولته بنفسه، فإنه يعني أيضاً، وفي الإطار نفسه، إنهاء شتى أشكال التدخل الخارجي. وبهذا المعنى، فإنّ تنفيذه هو الأداة الفعالة الوحيدة لمنع مفاعيل قيصر، ليس في ما يتعلق بمافيات الفساد الكبير والتشدد الداخلي فحسب، بل وأيضاً في فتح الباب أمام سورية للدخول ضمن منظومة العالم الجديد، بطبيعة علاقاتها الدولية المتنوعة والتعددية التي لا تقع تحت ضغط ركبة شرطي أمريكا العالمي.
التنفيذ الفوري للحل السياسي عبر 2254 كان ضرورة قبل «قيصر»، وهو الآن ضرورة وجودية لإغلاق الطريق أمام تحويل سورية إلى مستنقع، ولإنهاء درب آلامها الطويل، وهو ما يتطلب من الوطنيين في كل الجهات تكثيف جهودهم إلى الحدود القصوى لإزالة كل أنواع المعيقات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 968