لماذا اغتيال سليماني.. وماذا بعد؟
عماد صائب الخالد عماد صائب الخالد

لماذا اغتيال سليماني.. وماذا بعد؟

لا يختلف اثنان على أنّ عملية اغتيال الجنرال سليماني تشكل عتبة جديدة نوعياً، لا في الصراع الأمريكي الإيراني فحسب، بل وفي طبيعة ونوعية الصراعات الجارية على مستوى العالم بأسره. يمكن لمن يتابع مراكز الأبحاث الغربية والأمريكية خصوصاً، أنْ يلمس ما يشبه الإجماع بينها جميعها على أنّ العملية من حيث شكلها، وبغض النظر عن دوافعها وغايتها، تشكل خرقاً للأعراف غير المكتوبة للصراعات الدولية، والتي تتضمن عدم استهداف قيادات الصف الأول ومراكز القرار حتى خلال الحروب المباشرة. ويفسر أصحاب هذا الطرح حرمة استهداف قيادات الصف الأول بأنّ استهدافها يجعل إنهاء أية حرب أمراً متعذِّراً، سواء بالتفاوض أو بالاستسلام، وهو ما يفتح الباب على انزلاقات خطيرة وغير مسبوقة...

ربما يكون من المفهوم ميلُ مراكز بحثية ووسائل إعلام أمريكية إلى رفع درجة التهديد بالويل والثبور في إطار الصراع الداخلي الأمريكي، وفي إطار سعي الديمقراطيين المكشوف إلى الاستثمار في «حماقة» ترامب، لعل وعسى يؤدي ذلك إلى منعه من الاستفادة انتخابياً من العملية.
أهم من ذلك، هي حقيقة أنّ العملية بلا شك، تمثل عتبة تصعيد يصعب تخيل عتبة أعلى منها؛ إذ إن الحديث عن حرب مباشرة، هو أقرب لأن يكون خيالاً غير علمي.

حملة الضغط على إيران

اعتبر المسؤولون الأمريكيون أن العملية هي ضمن سياسة واشنطن في رفع الضغوط على إيران إلى الحد الأقصى لتحقيق الأهداف التي أعلنوها مراراً، ولكن ربط هذه الفكرة بأن التصعيد قد وصل إلى عتبته الأعلى فعلاً مع اغتيال سليماني، ودون أن يحقق الأهداف المعلنة، يوجه الذهن للتفكير بأهداف أخرى من العملية نفسها؛ فمن المعلوم أنك حين تصل إلى أقصى ما تستطيع دون تحقيق نتائج، فإنّ العتبة التالية لأفعالك ستكون أدنى بالضرورة، والأهداف الموضوعة من التصعيد ستصبح غير قابلة للتحقيق.

ما هي الأهداف الحقيقية للعملية؟

على أساس الكلام السابق، يمكن أن نضع مجموعة من الافتراضات الأولية للأهداف الأمريكية من الاغتيال:
أولاً، لا شك أنّ ترامب يحاول توظيف عمليات من هذا النوع، وعلى غرار عملية قتل البغدادي (إن كانت قد جرت من الأساس)، في إطار إعلامي انتخابي.
ثانياً، في إطار الصراع الداخلي الأمريكي نفسه، فإنّ ترامب يدفع التصعيد إلى نهاياته، لا من أجل استمرار التصعيد، بل بالضبط لإنهاء انخراط الولايات المتحدة في المنطقة ككل؛ لأن لعبة الاستنزاف طويل الأمد، عبر الفوضى الخلاقة وإدارتها المباشرة بالوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، هي لعبة القسم الفاشي من الإدارة الأمريكية الذي لا يريد أي انسحاب من المنطقة بعكس ترامب. ولعبة الاستنزاف طويل الأمد لها قواعدها، وعلى رأس تلك القواعد، إبقاء التصعيد ضمن حدود معينة. أي إنّ كسر ترامب لحدود التصعيد المرسومة ضمن المؤسسة الأمريكية، وبهذا الشكل العنيف، هو كسر لإمكانية استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة بشكل واقعي، وعبر تكثيف الأخطار المباشرة التي سيتعرض لها الجنود الأمريكيون، ما يستدعي عودتهم بشكل سريع إلى بلادهم...
ثالثاً، تهدف العملية أيضاً إلى كسر صلة وصل أساسية بين مجموعة من القوى المحاربة للإرهاب والمعادية للأمريكان في المنطقة، الأمر الذي من شأنه تسهيل عملية الانكفاء الأمريكي، بالتوازي مع السعي إلى قسم تلك القوى.
رابعاً، بالخاص العراقي، فإنّ عملية قسم القوى المعادية للأمريكي، ستأخذ شكلاً ربما يكون أكثر حدة؛ ولعل المؤشرات الأولى المتعلقة بجلسة البرلمان المرتقبة وتعثر انعقادها، تعكس جزئياً الانقسام المقبل، والذي يستهدف ضمناً تأخير تطور الحركة الشعبية في العراق، والتي شبّت خلال الأسابيع القليلة الماضية عن طوق القوى التقليدية والطائفية إلى حد بعيد، ولذا بات من الضرورة بمكان إعادة قسمها على أسس مختلفة، على رأسها الطائفي.
خامساً، لا يغيب عن الذهن أيضاً، أنّ اغتيال سليماني بما يمثله من حلقة وصل بين محاربي داعش المباشرين في المنطقة، من شأنه ولو مؤقتاً أن يفتح لداعش بعض الثغرات لتتنفس منها مجدداً...
بالمحصلة، فإنّ عملية الاغتيال هذه، وإنْ كانت تبدو من حيث الظاهر معاكسة للاتجاه العام الواضح للأفول الأمريكي والانكفاء الشامل، فإنّها من حيث جوهرها تعزيز لذلك الاتجاه، بل ودفعه نحو عتبة جديدة سيزداد بعدها تسارع ذلك الانكفاء بشكل غير مسبوق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
947
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون2/يناير 2020 11:50