الأزمة بحاجة لحلول غير مسبوقة...
سعد صائب سعد صائب

الأزمة بحاجة لحلول غير مسبوقة...

تحتاج أي ظاهرة جديدة إلى تعامل من نوع جديد؛ فكل ظاهرة جديدة هي بالضرورة ظاهرة فريدة من نوعها وغير مكررة، حتى لو تشابهت في بعض عناصرها مع ظواهر سابقة.

الأزمة السورية هي بكل تأكيد ظاهرة جديدة تاريخياً وفريدة من نوعها؛ وإذا كانت تتقاطع مع شبيهاتها بالأساسات المشتركة المتقاربة لانفجارها، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي المعيشي المتردي للأغلبية الساحقة من السكان، بالتوازي مع الانخفاض الشديد لمستوى الحريات السياسية، فإنّ ما يميزها عن غيرها يتعدى حدود المشتركات عبر وجوه خاصة كثيرة، ليس المجال هنا كافياً لتعدادها، ولكن يمكن على الإجمال الإشارة إلى بعضها:
(الموقع الجغرافي الخاص، طبيعة التموضع السياسي التاريخي لسورية في علاقتها مع الأحلاف والاصطفافات الدولية المختلفة، الطبيعة الخاصة للتركيبة الطبقية ولسير التطور في الداخل السوري، وكذلك الطبيعة الخاصة للمجتمع السوري ولتاريخه السياسي)
هذه الخواص كلها، تتخذ أهمية خاصة شديدة التأثير، في ظل خواص إضافية تتعلق بالظرف التاريخي الملموس الذي تجري ضمنه الأزمة السورية، ونعني بذلك بالدرجة الأولى، طبيعة التوازن الدولي الجديد، وطبيعة الصراع القائم ومضمونه، الأمر الذي يمكن تكثيفه إلى حد ما بالشكل التالي: الصراع في سورية وحولها اليوم، هو بشكل ما، تكثيف للصراع بين القديم والجديد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، بين المنظومة الأحادية القطبية الأمريكية بمؤساساتها الدولية وبطريقة تنظيم علاقاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية (وفي القلب من ذلك كله علاقات التبادل اللامتكافئ والسيطرة التاريخية الغربية المستمرة منذ ما يقرب من خمسة قرون، والقائمة على وجود صراعات مستمرة بين دول العالم القديم، وغياب أية علاقات طبيعية بينها، بالمعنى السياسي، وتالياً بالاقتصادي والاجتماعي والثقافي)، وبين منظومة جديدة ناشئة تقوم شكلياً على مسألة تعدد الأقطاب، ولكن جوهرها أعمق غوراً بكثير من التصورات المبسطة حول مسألة تعدد الأقطاب، (فهي تقوم على إعادة بناء العلاقات الدولية ككل، انطلاقاً من رسم طبيعة جديدة للعلاقات الاقتصادية تكسر حالة التبادل اللامتكافئ، وتمهد الطريق نحو تعاون يسود قارات العالم القديم الثلاث).
إنّ الإشارات أعلاه، وغيرها الكثير، يضعنا بشكل أولي في صورة حجم وعمق الجِّديد في الأزمة السورية، وبالتالي في طرق التعامل معها وحلها، ومن ثم في نوعية النموذج الجديد الذي سينشأ في سورية على أساس هذا الحل.

2254

في الإطار التفصيلي، يظهر القرار 2254 بوصفه نوعاً جديداً وغير مسبوق من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن؛ فالقرار الذي يُجري قطعاً حقوقياً- سياسياً، مع منظومة القرارات الدولية الخاصة بالأزمات، يجري ذلك القطع بشكل خاص في مسألتين كبريين، الأولى والأهم هي حق الشعب السوري في تقرير مصيره وتأمين ما يلزم لتنفيذ ذلك الحق، لا الاكتفاء برفعه شعاراً مع تفريغه من مضمونه كما حال قرارات تخص أزمات أخرى. والمسألة الثانية هي تأسيسه للحل على حوار لا تحاصصي، أي أنه يعترف بالأطراف السياسية القائمة بين نظام ومعارضة كمنصة انطلاق للحوار، ولكن ليس كمنتهى له، كما كانت الحالة في لبنان مثلاً.
بكلام آخر، إنّ مختلف الأطراف السياسية السورية الموجودة حالياً، لن تمر إلى سورية الجديدة إلا عبر بوابة حق الشعب السوري في تقرير مصيره، وعبر الوسائل المتنوعة لتنفيذ ذلك الحق، وهي بهذا المعنى أطراف تحت الاختبار وليست أطرافاً ناجية بالضرورة!

إجراءات استثنائية

ضمن معاني فرادة الظاهرة السورية، في سياق التحول الدولي الهائل الجاري على قدم وساق، فإنّ حل الأزمة بات يتطلب إجراءات استثنائية هي الأخرى، سواء لجهة طريقة التعامل مع المسألة الاقتصادية، (وضمناً مسائل الفساد الكبير والطرق اللازمة للقضاء عليه، ومسائل التوجه الاقتصادي والنموذج الاقتصادي الداخلي الذي يجب أن يقطع كلياً مع المنظومة السابقة غير الإنتاجية والتابعة والفاسدة والمرتبطة بالغرب) أو لجهة المسألة الديمقراطية، التي باتت بحاجة لنقلة نوعية كبرى وسريعة، تفتح الباب أمام السوريين ليرفعوا أصواتهم عالياً في وجه ظالميهم وناهبيهم بمختلف مستوياتهم وأشكالهم وواجهاتهم السياسية وغير السياسية. بما يعني أن هنالك حاجة وطنية لنقلة نوعية في المسألة الديمقراطية في الإطار السوري.

مخاطر وجودية

إذا كان الحديث عن فرادة المسألة السورية، وتالياً فرادة طريقة حلها، هو حديث مفهوم وربما موضع اتفاق بين معظم الناس، فإنّ ما ينبغي التأكيد عليه هو أنّ هذه الفرادة تتضمن أيضاً مسألة التوقيتات الزمنية المتعلقة بتنفيذ الحل؛ فالآجال ليست مفتوحة أمام الوصول إلى سورية الجديدة، ذلك أنّ حجم الأخطار التي تتهدد سورية، وانطلاقاً من أن حل أزمتها يعني بالضبط ولوج العالم بأسره لا سورية وحدها، وبشكل ملموس نحو فضاءات الوضع الدولي الجديد ما بعد الغربي، لذلك بالذات فإنّ الصراع فيها وعليها يتخذ اتجاهات أكثر شدة يوماً بعد آخر، وصولاً إلى أيامنا الراهنة التي يجري خلالها الدفع بشكل متسارع جداً نحو إعادة تفجيرها بشكل لا رجعة عنه، من البوابة الاقتصادية الاجتماعية عبر التكافل المقصود أو غير المقصود بين العقوبات الغربية وتشديدها، وبين الفساد الداخلي وتعاظمه غير المسبوق. ولا يغيب عن الذهن أن تفجيراً اقتصادياً جديداً لن يقف عند الحدود الاقتصادية بل سيدفع، وقد بدأ فعلياً بذلك، نحو توترات اجتماعية غير مسبوقة، تليها توترات سياسية وأمنية، قد تحمل هذه المرة مخاطر لا عودة عنها.
في ظل هذا كلّه، فإنّ الذهاب نحو خطوات غير مسبوقة، وحلول غير مسبوقة، تتسم من حيث الجوهر بجذريتها، باتت خياراً وطنياً إلزامياً لا مفرّ منه، ولا بديل عنه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
944
آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون1/ديسمبر 2019 13:50