جميل: بدء عمل اللجنة الدستورية مفتاح للحل

جميل: بدء عمل اللجنة الدستورية مفتاح للحل

أجرت إذاعة «سوا» يوم الجمعة 26/7/2019، حواراً مع رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، وأمين حزب الإرادة الشعبية، د. قدري جميل، حول آخر المستجدات السياسية على الساحة السورية، ولا سيما تلك المتعلقة باللجنة الدستورية وآليات عملها بعد إطلاقها. فيما يلي تعرض «قاسيون» جزءاً من الحوار، مع العلم أن الاستماع للحوار كاملاً متاح على الموقع الإلكتروني للجريدة.

أين أصبح عمل اللجنة الدستورية، هل بالفعل تم تجاوز عقبة الأسماء؟

قبل الإجابة عن السؤال، أريد أن أوضح أنني إذا كنت موجوداً في موسكو، فإن منصة موسكو كلها موجودة في سورية، وأنا الوحيد من المنصة موجود في موسكو. منصة موسكو هي منصة موجودة في الداخل، وتمثل قوى عديدة وواسعة، ومن هنا أهميتها، أما أنا فموجود في موسكو لأسبابٍ سياسية.

بالنسبة للجنة الدستورية، تقول المعلومات المتوفرة- وهي موجودة في الإعلام- أنه قد تم تجاوز عقبة الأسماء. ولكن هذا لا يعني أن العقبات الأخرى قد أُزيلت تماماً، بل هي في طريقها إلى الزوال. فهنالك قضايا إجرائية عديدة ما تزال قيد البحث، ولم يعلن الاتفاق حولها بعد، ومن هذه القضايا الإجرائية مثلاً: كيف سيتم العمل الداخلي للجنة؟ وكيف ستتم رئاسة اللجنة؟ الحديث الآن عن رئيسين مشتركين، والنظام الداخلي الذي سيجري على أساسه العمل في اللجنة، وطريقة التصويت (الإجماع ونسبة الـ 75%... وإلخ). ولذلك أقول: إن الشائعات تفيد أن هذه الأمور ستصبح محلولة في أوائل أيلول، وسيصبح الطريق مفتوحاً لاجتماع اللجنة. 

ولكن أريد أن أشدد على أن اللجنة هي مفتاح الحل (المفتاح يفتح الباب، لكن بعد فتحه كيف سيتم العمل؟)، ومن هنا أهمية اللجنة الدستورية، بأنها الخطوة الأولى ولكنها ليست الخطوة النهائية. لأن هذه الخطوة يجب أن تتبعها خطوات عدة في مجالات عدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.

كما ذكرت، هنالك مشاكل كثيرة قد تبدأ بعد أن بدأ عمل هذه اللجنة بالفعل، مثل: قواعدها الإجرائية...

أنا أتحدث عن المشاكل قبل أن تبدأ عملها، ولم يُعلن عنها بعد، لأن هذه القضايا هي في طور البحث والحل. أعتقد أنها ستحل، ولكن كما تفضلت صحيح، بعد أن تبدأ عملها من الذي قال إنه لن تكون هنالك مشاكل؟ من الطبيعي أنه سيكون هنالك نقاش وأخذ ورد ومشاكل، ولكنّ استباق الأمر يتم لإيجاد آلية العمل التي تسمح بحل المشاكل الطبيعية التي ستنشأ.

بعض رموز المعارضة السورية اتهمت النظام السوري بأنه سيلجأ إلى إغراق المعارضة في تفاصيل كثيرة، مستندة إلى مقولة وليد المعلم: سوف نغرقهم في التفاصيل وعليهم أن يتعلموا السباحة. بحكم أنكم جانب مهم من المعارضة، هل لديكم مثل هذا التخوف؟

أريد أن أشير في البداية إلى أن الرغبة ليست عارمة عند الكثير من الأطراف السورية في بدء عمل اللجنة الدستورية؛ قسم من النظام يريد أن يعرقل هذا التوجه حتى الآن، لكن من قال إنه ليس في المعارضة من لا يطرب أبداً لعمل اللجنة الدستورية، ولديه رسمة أخرى في دماغه حول الموضوع؟ كما يقال «إنما الأعمال بالنيات»، النوايا ليست صافية تماماً عند أطراف عدة، وهذه هي العرقلة الأساسية. 

التفاصيل ليست مشكلة، نحن لها، فهذه التفاصيل يمكن معالجتها، ويمكن نقاشها بالأخذ والرد بين السوريين. ولكن الأهم من التفاصيل هي النوايا. يجب أن يتمتع الجميع بالنوايا الصادقة والإرادة الحقيقية كي يكون فعلاً بدء عمل اللجنة الدستورية مفتاحاً للحل.

برأيكم أين تصب جهود الحكومة الروسية؟ أي: بأيّ اتجاه تسير هذه الجهود؟

أولاً: إذا كنتُ مقيماً في موسكو الآن وأتكلم معكم، فهذا لا يعني أنني ناطق باسم الحكومة الروسية. أستطيع فقط أن اقرأ وأحلل وأحدد الموقف من سلوكها في الملف السوري. 

ثانياً: أنا مقتنع أن السلوك الروسي في الأزمة السورية يختلف تماماً عن السلوك الغربي في الأزمتين العراقية والليبية؛ حيث رفض الحل من الخارج، وأصر على أن يبقى الحل في أيدي السوريين، وهذا أمرٌ مهم طرحه الروس منذ اللحظة الأولى، وكما لاحظتم، إن جميع الدول التي كانت من أنصار التدخل الخارجي قد التحقت شيئاً فشيئاً بهذا الموقف، بدأ هذا الالتحاق في المواقفة على قرار مجلس الأمن 2254، وأخذت العملية وقتاً حتى بدأت في تصريحات منخفضة السقف والتي تقول بالحل السياسي وعدم وضع شروط مسبقة للبدء بهذا الحل. أعتقد أن الجميع منتبه إلى أن جميع الدول الغربية قد سحبت عملياً من التداول شرط رحيل الرئيس السوري الحالي لبدء الحل السياسي، ولم تعد تطرح هذا الشرط.

هل تقصد أن القوى الكبرى مثل: الولايات المتحدة أو حتى روسيا أو إيران أو تركيا لم تتدخل بالعملية السياسية ولم توجهها وتضغط على أطراف معينة في العملية السياسية؟

توجد قوى تدخلت وما تزال تتدخل، والغرب نفسه عبر المجموعة المصغرة عندما يملي توصيات وآراء حول شكل الدستور بشكلٍ مسبق، فهذا هو التدخل بعينه ونرفضه رفضاً قاطعاً.

سورية بلد له تاريخ عريق، وساعد ست دول عربية أخرى على كتابة دستورها، وكان لها أول دستور عربي عام 1920، وحق المرأة في الانتخاب في سورية موجود منذ عام 1927. لسنا بحاجة لدروس من أحد في هذا الموضوع، نحن قادرون على كتابة دستورنا وصنع مستقبلنا، ولكن ما يعيق هو التدخل الخارجي، إذ إنهم يريدون أن يصنعوا لنا رسمات ونماذج لمستقبل سورية؟

إذاً، لماذا لا يجلس السوريون مع بعض وينتهون من هذا؟

هذا هو بيت القصيد الذي أردت الجواب عنه. المشكلة أنه تجري إعاقة دخول السوريين إلى التفاوض المباشر من قبل هؤلاء. يجب منع هؤلاء من عرقلة جلوس السوريين إلى طاولة واحدة كي ينفذوا قرار مجلس الأمن الذي يحمل في جوهره حق السوريين بتقرير مصيرهم بأيديهم. 

لذلك فالجهود منصبة اليوم لكي تذهب التدخلات الخارجية ليس في منحى منع السوريين أو فرض اشتراطات مسبقة لجلوسهم إلى الطاولة، وإنما مساعدة السوريين على الجلوس. بعد جلوسهم إلى طاولة واحدة يجب على الجميع أن يدعهم وشأنهم، يجب على الجميع أن يؤمّن الغطاء للسوريين كي يحلوا مشاكلهم بأيديهم. فعندما نجلس إلى طاولة واحدة، ونبدأ بحل المشاكل وتخرج المشاكل المستعصية، يمكن أن نلجأ إلى مساعدة الأصدقاء والقوى الأخرى. ولكن قبل ذلك دعونا نجلس ونتكلم مع بعضنا ويفهم بعضُنا البعضَ. مشكلة السوريين منذ بداية الأزمة أنهم لم يجلسوا مع بعضهم البعض.

هل لدى المعارضة تصور واضح عن الدولة السورية القادمة؟ أو شكل هذه الدولة في الدستور؟ وهل هذا التصور يقترب من التصور الذي تضعه الحكومة السورية؟

لا أعلم من لديه التصور الواضح أصلاً حول مستقبل سورية، إن كان في النظام أو إن كان في المعارضة. بل أرى أن الجميع يبحث اليوم الوضع الراهن لحل الأزمة، أما ماذا سنفعل في اليوم الأول بعد الأزمة، فقليلون من يفكرون بذلك. 

أعتقد أنه أهم نقاش حول الدستور، هو: تفعيل النقاش حول هذه القضية تحديداً، والتي لم يجرِ النقاش حولها سابقاً. النقاش يجري حتى الآن على طريقة المماحكة «قلي لقلك»، لكن هذا النقاش لا يأخذ بعين الاعتبار مأساة السوريين ووضعهم الحالي من أجل إخراجهم من الكارثة الإنسانية الكبرى التي يعيشونها. 

إن التناقضات السياسية بين المعارضة والمعارضة وبين المعارضة والنظام هي أقل شأناً بكثير من مصير الشعب السوري الذي يجب أن تخضع له كل المشاكل الأخرى.

هل نعتبر أنه تم تجاوز الشروط المسبقة لأجل بدء عمل اللجنة؟ حيث هنالك اجتماع جديد لترويكا آستانا في بداية الشهر المقبل...

استطعنا تجاوز الكثير من الشروط المسبقة، وهذا ما أَخّرَ عملياً بدء اللجنة الدستورية وما يؤخر بدء الحل السياسي، لأن إعلان اللجنة الدستورية وبدء عملها يعني إطلاق شارة البداية للعملية السياسية التي سيكون شعارها تغيير جذري في النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي القائم في سورية بشكلٍ يتوافق عليه السوريون جميعاً. 

مشكلة السوريين أنهم لا يعلمون كيف يتوافقون. فنظام الحزب الواحد الذي استمر في سورية لأكثر من نصف قرن قد خلق نمطاً أحادياً من التفكير، وهذا النمط لا يعرف معنى الرأي والرأي الآخر وكيفية التوافق بينهما. التوافق يعني: تقديم تنازلات متبادلة. وعندما يكون هنالك حزب واحد ورأي واحد لا تكون هنالك تنازلات بل يوجد فرض رأي على رأي، والمشكلة أن جزءاً من المعارضة يتمتع بعقلية النظام في موضوع الرأي الواحد. هذا الفيروس منتشر بشدة، وبحاجة لـ «أنتي فيروس» من أجل القضاء عليه.

هل منصة موسكو مع كتابة دستور جديد لسورية أم مع تعديل دستور 2012 كما تطالب الحكومة السورية؟

اجتماع سوتشي الذي انطلقت منه فكرة اللجنة الدستورية، بمباركة الأمم المتحدة وبوجود المبعوث الدولي السابق إلى سورية، ستيفان دي مستورا، كنتُ حاضراً هناك، ولم يقل لا بتعديل الدستور ولا بتبديل الدستور، بل قال بالإصلاح الدستوري.

الإصلاح الدستوري هو مروحة واسعة، حيث يمكن التغيير ويمكن التعديل، ولكن من يقرر ذلك؟ يقرره السوريون الذين سيجلسون إلى الطاولة. لذلك، فإن الحديث مسبقاً أننا لا نريد التغيير بل التعديل، ولا نريد التعديل بل التغيير، هو وضعٌ للعربة أمام الحصان من أجل عرقلة بدء عمل اللجنة الدستورية، وهذه هي مهمتها الأولى أي: بحث هذا الموضوع وتفسير ماذا يعني الإصلاح الدستوري. هذه هي إحدى المهام الكبرى والأولى للجنة أن تفسر ما هو الإصلاح الدستوري في الظروف الحالية، أمّا الحديث مسبقاً عن التغيير والتعديل فهو نقاش سفسطائي يبعد الحل ولا يقربه. 

نحن في منصة موسكو هذا هو موقفنا، إننا مع النقاش الجدّي بين السوريين حول محتوى الإصلاح الدستوري، بالرغم من أنّ رأينا يميل إلى القول: إن الوضع يتطلب تغييراً جدّياً للدستور، لأن القضايا المطلوب حلها موضوعياً إذا تم الأخذ بها فستغيّر الدستور أوتوماتيكياً. ومثال على ذلك: دستور عام 2012 المعمول به حالياً، هل تعلمون ماذا أدى تغيير فقرة واحدة منه (المادة الثامنة حول الحزب القائد)؟ كانت الفكرة هي تعديل هذه المادة في حينه، وعندما جرى تعديلها جرى تعديل 40 مادة أخرى على إثرها إن لم يكن أكثر. 

عندما تقوم بتغيير 40 مادة من أصل من 150 مادة في الدستور، هل هذا تعديل أم تغيير؟ هذا النقاش حول جنس الملائكة لا يفيد، المهم الدخول في جوهر الموضوع. وجوهر الموضوع هو كيف يجب أن يكون الدستور الجديد؟ وما هي القضايا التي يجب أن يحلها؟ بعد ذلك يجري حل الأمور أوتوماتيكياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
924
آخر تعديل على الأربعاء, 31 تموز/يوليو 2019 14:44