افتتاحية قاسيون 917: «القرارات الصعبة» والنموذج الجديد!

افتتاحية قاسيون 917: «القرارات الصعبة» والنموذج الجديد!

عبّر مسؤولون أميركيون مؤخراً عن أنَّ الحل في سورية سيمر عبر «قرارات صعبة» على «جميع الأطراف» اتخاذها.

ليس أمراً شديد التعقيد الوصول إلى ماهية القرارات الصعبة التي يتحدث عنها الأمريكيون؛ وهي بالدرجة الأولى قرارات صعبة بالنسبة لهم، وعلى رأسها انسحاب الجميع من سورية، وضمناً انسحاب الكيان الصهيوني من الجولان السوري المحتل. وهذه نفسها ليست أصعب ما في الأمر، بل تكمن الصعوبة في ما تعنيه تلك القرارات بمضامينها وأبعادها وآثارها...

إنّ التطبيق الكامل للقرار 2254، أي تحقيق الحل السياسي في سورية، سيعكس للمرة الأولى، لا في جانب واحد اقتصادي أو عسكري أو سياسي...، بل في الجوانب جميعها وفي وقت واحد، وبأكثر الأشكال كمالاً وتبلوراً، مضمون التوازن الدولي الجديد؛ بما يعنيه ذلك من إعلان صريح عن الدخول في الفصل الأخير من عصر تاريخي اتسم بانقسام العالم بين دول مركز ودول أطراف، بين تابع ومتبوع، بين مستعمِر ومستعمَر.

وإذا كانت قرارات صعبة خارجية تقف بين السوريين وحل أزمتهم، فإنّ الصعوبة الأكبر التي تواجههم كمهمات ملموسة على عاتقهم هم بالذات حلّها، هي القرارات الداخلية الصعبة الواجب اتخاذها في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتنازلات القاسية الواجب تقديمها من المتشددين في كل الأطراف ولمصلحة سورية والشعب السوري.

في الجانب السياسي، وبالتوازي مع مهمة استعادة السيادة الوطنية بمعانيها المختلفة، ينبغي الانتهاء بشكل كامل من البنية القائمة على القمع والتي تشكل في جوهرها التربة المثالية للتبعية السياسية للخارج، عبر تغييب إرادة ومقاومة الناس، وتقزيم أية مساحة لنشاطهم السياسي، والسماح تالياً لسماسرة الغرب بالتحكم بالبلاد اقتصادياً واجتماعياً وتعميق نهبها. والخروج من هذه البنية يتطلب جملة من التغييرات العميقة ابتداء بالدستور ومروراً بمختلف أشكال القوانين وضمانات تطبيقها.

وفي الجانب الاقتصادي تنتصب مشاكل كبرى لا تقف عند إعادة الإعمار، بل تتعدى ذلك إلى مهمة كبرى، وهي كيفية إخراج 90% من السوريين من تحت خط الفقر، وهو ما يتطلب نموذجاً جديداً يحقق أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو، ونموذج كهذا يمرُّ حكماً عبر «قرارات صعبة» بضرب الفاسدين الكبار بلا رحمة، وهذا لا يمكن أن يتم دون تغيير سياسي جذري مفتاحه هو تطبيق 2254.

في الجانب الاجتماعي أيضاً، هنالك حاجة لقرارات صعبة وكبيرة؛ من مسألة عودة اللاجئين، إلى كيفية استعادة الوحدة الوطنية ومداواة الجراح العميقة التي حفرتها الأزمة، وغيرها الكثير من المشكلات الكبرى بما في ذلك الأوضاع المزرية للطفولة والتعليم والصحة...

إنّ الإقدام على «القرارات الصعبة» من جهة الأمريكي وحلفائه، تعني بالضبط دخولهم في كورس علاجي إجباري من الإدمان على نهب الشعوب وإخضاعها والتحكم بمصائرها. وبالمعنى الداخلي السوري، فإنّ العلاج من الإدمان هو نفسه أيضاً؛ فالفاسدون الكبار وسماسرة الغرب مدمنون أيضاً على نهب الشعب السوري وقمعه، ولذا فإنّ العلاج في الحالتين ينبغي أن يكون إلزامياً، بل وينبغي ضمن حالات الإدمان المتقدمة عزل المريض وربما تقييده لمنعه من إيذاء الآخرين خلال فترة الاستشفاء.

إنّ خلق النموذج الجديد في سورية، ومن بوابة التنفيذ الكامل للقرار 2254، هو الطريق الوحيد لكف أذى «المدمنين» من كل شاكلة ونوع، وصولاً إلى عالم جديد ينتظر النموذج السوري بالذات، كأول نموذج لعالم ما بعد التبعية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
917
آخر تعديل على الإثنين, 10 حزيران/يونيو 2019 18:53