نتائج التوازن الجديد المحققة، مقدمة متواضعة لعظيم آتٍ!

نتائج التوازن الجديد المحققة، مقدمة متواضعة لعظيم آتٍ!

تراجع الأمريكي مع حلفائه يستمر مع كل دقيقة تعدو، والقوى الجديدة تسير بخطى ثابتة صعوداً، الأول: تستمر خسائره داخلياً وخارجياً ويتعمّق الانقسام لديه. والثاني: يحقق انتصارات متتالية مستفيداً من قصور الأول المعرفي والمادي عن ابتداع أية وصفة جديدة.

عديدة هي الخلافات الحاصلة داخل الإدارة الأمريكية، وباتت تكثر يوماً بعد يوم تأثيرات هذا الانقسام، ومع كل تعمّق جديد فيه تطفو جملة من الأحداث، آخرها، كانت استقالة مدير الإعلام في البيت الأبيض والمدير السابق لشبكة «فوكس نيوز»، بيل شاين، دون توضيحات حقيقية، وما أرفق من تبرير حول استقالته لا يختلف عن أي تبرير آخر يسلكه الإعلام الأمريكي في مثل هذه الحالات، ليقدّم سبباً يحاول إشباع فضول شعبهم لا أكثر كمثل شكاوى وقضايا تحرش وما شابه، إلّا أنّ الأسباب الحقيقية ومن دون كثير اجتهاد تتعلق مباشرة بتأثيرات تلك الانقسامات والخلافات داخل الإدارة الأمريكية، وقد سبق بيل إلى الاستقالة، خلال شهر كانون الأول من 2018 وحده، كل من: وزير الداخلية الأمريكي ريان زنكي، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ومبعوث واشنطن للتحالف الدولي ضد داعش بريت مكغورك.

التراجع خارجياً

بالتوازي مع هذه الأحداث الجارية داخل الإدارة الأمريكية، يظهر التراجع وتأثيراته خارجياً عبر سلوكيات واشنطن وارتداد تأثيراته عليها، ليس بدءاً بالأزمة السورية والفيتو الروسي- الصيني المزدوج، وليس انتهاءً بذات الفيتو مؤخراً حول فنزويلا في مجلس الأمن، مروراً بملفات أخرى: فها هي أيضاً قمّة «هانوي» الكورية- الأمريكية الأخيرة مثال يعبّر بشكل جديد عن عجز الولايات المتحدة عن فرض شروطها وعدم استطاعتها- كما السابق- فرض نفسها وآلياتها بالملفات الدولية؛ فمحاولات تفجير الوضع بين الكوريتين قبيل القمّة الأولى لكيم– وترامب في سنغافورة وبعدها، أنتج تقارباً بين دولتي شبه الجزيرة الكورية، وما بينها وبين القمّة الثانية بكل محاولات واشنطن لإفشال التقارب وإعادة إحياء التوتر لم ينتج شيء سوى بداية تولّد نواة تعاون إقليمي روسي- صيني- كوري، شبيه بترويكا آستانا، ليدفع بالحلول بعيداً عن واشنطن وخلافاً لمآربها.

والحلفاء أيضاً

أما حلفاء واشنطن التقليديون، كالاتحاد الأوروبي والناتو مثلاً، يقبعون في وسط تأثيرات هذه التجاذبات الحاصلة داخل الانقسام الأمريكي، وأكثر من يتعرض للابتزاز بمقابل كل خطوة تراجع أمريكية. فمسألة الانسحاب من «معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى» تعني بتأثيراتها أولاً: هذين الطرفين وتهزّ كُل منظومتهم الأمنية، فمن جهة حاول الأمريكيون صُنع مشكلة تكون حاضنة توتر بين الطرفين الروسي والأوروبي معرقلةً الاتفاقيات الاقتصاديات الجارية كـ «السيل الشمالي2» مع ألمانيا، ومن جهة ثانية ابتزازاً لدول أعضاء حلف الناتو لدفع أموالهم «مقابل الحماية الأمريكية» عبره، لتخرج أمريكا خاسرة لم تحقق لا هذا ولا ذاك، وتستقبل رداً أوروبياً في حينه مفاده استعداد الدول الأوروبية تشكيل تحالف عسكري جديد غير الناتو وبعيداً عن واشنطن... فالوضع الأوروبي- كالأمريكي- تطاله الأزمة الرأسمالية ويزحف باتجاه الخروج بأقل الخسائر الممكنة، بالإضافة إلى الحالة الاجتماعية الشعبية التي تتصاعد وتيرة احتجاجاتها ومطالبها كفرنسا مثلاً.

من لا يرى؟

إنّ كلّ هذه الوقائع، وغيرها الكثير جداً، لم تعد تثبت نشوء توازن دولي جديد وصعود قوى جديدة فحسب، بل باتت تشير بما لا يقبل الجدل، بأن هذا التوازن قطع أشواطاً كبيرة بتسارع كبير يشير إلى أنّ كل ما أنجزه حتى الآن سوف يبدو متواضعاً وقليل الشأن أمام ما سينجزه خلال السنوات القليلة القادمة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
904
آخر تعديل على الإثنين, 11 آذار/مارس 2019 13:11