معركة أمريكا مع شعبها ومع الاشتراكية
عاد ترامب مرة أخرى قبل حوالي الأسبوع أمام «تجمّع للفنزويليين المقيمين في الولايات المتحدة» في واشنطن بالهجوم على «الاشتراكية» معتبراً أن «الاشتراكية انتهت في العالم»... لتتحول كلمة الاشتراكية إلى واحدة من عناوين الخطاب الرسمي الأمريكي ويافطة جديدة في الصراع.
إنّ جُل ما يهدف إليه ترامب عبر هذا الهجوم هو الردّ على الدعوات الجديدة لبناء اشتراكيات القرن الواحد والعشرين، والتي تعلو أصواتها في دول المركز... والتي تقول في عمق شعاراتها وبشكل مباشر وغير مباشر: إن البديل أصبح ضرورة، وأن حكم الـ 1% لم يعد قابلاً لاجتراح الحلول والمخارج..
الولايات المتحدة كمركز المراكز الرأسمالية العالمية، خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت مصدر «الإشعاع الرأسمالي».. والنموذج الصارخ «لنهاية التاريخ» المقولات التي أرادت تكريس فكرة طي صفحة الصراع ضد الرأسمالية، وانتصارها المطلق.
والولايات المتحدة اليوم، تخاف الاشتراكية على لسان رئيسها، وتعيدها عدواً معلناً.
المأزق الأمريكي، هو مأزق المركز والمخرج الرأسمالي.. وهو يتجلى بتغيّر ميزان القوى الدولي، الذي لم يعد يسمح بتنفيس الأزمات في الخارج. الأمر الذي كان يتم طوال عقود مضت، لتنتعش أمريكا رأس حربة العالم الرأسمالي وسيدته، مع كل تمدد للهيمنة.
وكلما كبرت مساحة الاستقلال الخارجي لدول أطراف العالم، وقواه الصاعدة، كلّما تضخم ورم الأزمة الرأسمالية في الداخل الأمريكي.
فكل جوانب الهيمنة الأمريكية السابقة أصبحت موضع منافسة: فلا العسكرة احتكار مطلق، ولا التكنولوجيا ميزة أمريكا الاحتكارية، وحتى قطاع المال وهيمنة الدولار العالمية أصبحت موضع تساؤل، بل واستهداف... لتحاول الولايات المتحدة استخدامها خبط عشواء كسلاح أخير يستخدمه ترامب بعقوباته شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً.
ترامب كمنافسيه في الحكم الأمريكي، لا يملكون خيارات بديلة للداخل الأمريكي، فلم تعد رشوة مجتمعات المركز وتحويلها إلى قوة استهلاكية ممكنة، في ظل تراجع إمكانات النهب العالمية.. ولم يعد ممكناً إرضاء الأغلبية الاجتماعية من القوى العاملة والمتعطلين الأمريكيين، ممكناً.. إلّا إذا تنازلت النخب عن أرباحها. وهذا يخالف قانون السعار والمنافسة الضارية بين نخب المال، ولا يمكن أن يحصل.
لذلك، يعلم ترامب والنخب الأمريكية من ورائهِ، أنّ معركتهم في الداخل الأمريكي، ومع الشعب الأمريكي مستحقة، وغير بعيدة. ولذلك فإن الهجوم على الاشتراكية ضرورة، لأنها ستُولد حكماً في محاولات المجتمع للبحث عن بديل. والعداء «الترامبي» للبديل الاشتراكي أي: عداء النخب للمجتمع الأمريكي، يحتاج إلى أقل قدر من الديمقراطية، وأعلى مستوى من التمادي والجنون... ليكون إعلان الطوارئ في أمريكا ضرورة للمعركة القادمة، وليكون رئيس كترامب «الكاركتر» المناسب لمرحلة الصراع القادمة.