نبوءة ستالين!
في الذكرى 140 لميلاد جوزيف ستالين (18 كانون الأول 1878) ننشر مقتطفات من إحدى مذكّرات الوزيرة والسفيرة السوفييتية ألكسندرا كولونتاي، والتي احتوت على تدوينها لمحادثة مهمّة جرت معه (نوفمبر، 1939)، مأخوذة من مذكراتها، المحفوظة في وزارة الشؤون الخارجية للاتحاد الروسي، والتي استنسخها المؤرخ م. آي. تروشه. ونشرت في عدة دوريات سابقاً.
في مارس 1938، احتلت ألمانيا الفاشية النمسا. ولم يبدر من إنجلترا أو فرنسا أو حتى عصبة الأمم أيَّ احتجاجٍ على ذلك.
في 1 سبتمبر 1939، هاجمت ألمانيا بولندا. أصبحت الحرب العالمية الثانية حقيقةً واقعة. في 28 سبتمبر، تم توقيع اتفاقية في موسكو بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا، تمّ بموجبها تثبيت وضع الحدود الغربية للاتحاد السوفييتي.
في ظروف الحرب في أوروبا، كانت المصالح الأمنية للاتحاد السوفييتي تتطلب تعزيز حدودها مع فنلندا. وبهذا الوقت، كانت مفاوضات الحكومة السوفييتية مع الوفد الفنلندي مستمرة في موسكو. كانت هذه المفاوضات صعبة وتطوَّرت ببطء. واعتمدت الصحافة على التخمينات والشائعات. ولم يكن لدى السفيرة السوفييتية بالسويد، ألكسندرا كولونتاي، معلومات كافية مُتاحة ولذلك قررت الذهاب إلى موسكو للتشاور مع مفوضية الشعب، لاستيضاح موقف الاتحاد السوفييتي:
مع بعض الشعور بعدم الرضا، والتعب والشعور بالمسؤولية الثقيلة على نحو متزايد، عدت ببطء إلى الفندق... كنت أرغب، خاصة بعد اللقاء مع مولوتوف، أن أتصل بستالين... ومع ذلك، من خلال إدراك الوضع السائد بأكمله وجميع التوترات والمسؤوليات القائمة التي كان على ستالين التعامل معها، فقد قررتُ عدم إزعاجه... انقضت عدة أيام مزدحمة، أكملت فيها تقريباً كلَّ ما عندي من عمل، وهَمَمْتُ بالفعل بالمغادرة عندما رنّ جرس الهاتف فجأة:
- الرفيقة ألكسندرا ميخائيلوفنا كولونتاي؟
- نعم، أنا أسمعك.
- أنتِ مدعوَّة من الرفيق ستالين. هل يمكنكِ مقابلتُه؟ وما هو الوقت المناسب لك؟
- في أي وقت يناسب الرفيق ستالين (ساد صمتٌ لبعض الوقت. على ما يبدو، كان الوزير يبلغ ذلك لستالين).
هل يمكنكِ المجيء الآن؟
- بالتأكيد، أستطيع.
- خلال سبع دقائق ستكون السيارة عند المدخل الرئيس لفندق «موسكوفا». إلى اللقاء ألكساندرا ميخائيلوفنا.
في مكتبه في الكرملين، نهض ستالين من طاولة عمله لمقابلتي وهزّ يدي مبتسماً لفترة طويلة. سألني عن حالتي الصحية وطلب مني الجلوس.
بدا ستالين متعبًا ومغتمّاً، لكنه هادئ وواثق. ومع ذلك، كان من الواضح أن فداحة الوضع كانت تثقل عليه. أدركت هذا تماماً، واستطعت الشعور به، عندما بدأ ستالين بالسير على طول الطاولة الطويلة. غرق رأسه بين كتفيه كما لو كان تحت الوزن الهائل للأحداث. في هذه اللحظة سأل ستالين: كيف تسير الأمور معك ومع الدول الاسكندنافية الحيادية؟
بينما كنت أفكر في كيفية الإجابة على سؤاله لفترة وجيزة، بدأ ستالين يتحدث عن المفاوضات مع الوفد الفنلندي في موسكو، وحول حقيقة أن هذه المفاوضات التي دامت ستة أشهر لم تصل إلى شيء، فقد غادر الوفد الفنلندي موسكو، في منتصف تشرين الثاني، ولم يعُدْ أبداً مع «التوجيهات الجديدة» كما وَعَد، أي: بالاتفاق الذي كان يجب أن يضمن علاقات جوار سلمية مع الاتحاد السوفييتي. لم توقّع فنلندا، ويمكن للمرء أن يرى أن ستالين كان منزعجاً، ولكن ليس قلقًا... ونصحنا ستالين بضرورة تركيز عمل السفارة السوفييتية على دراسة الموقف في البلدان الإسكندنافية فيما يتعلق بتسلُّل ألمانيا إلى هذه البلدان، ولجذب حكومات النرويج والسويد والتأثير على فنلندا، من أجل منع النزاع. ثمّ قال، كما لو كان يختم كلامه: «إذا لم ننجح في منعه، فعندئذ سيكون الأمر قصيراً وينتهي بقليل من الدماء المهدورة، لقد انتهى وقت الإقناع والمفاوضات، ومن الضروري البدء في الأعمال التحضيرية للصدّ، لنكون مستعدين للحرب مع هتلر».
شعرت، كما لو صعقني تيارٌ كهربائي. لأول مرة أدركتُ كم هي الحرب وشيكة. لدرجة أن دفتر ملاحظاتي سقط من يدي. التقطته لاحقاً، وكنت قد جلبته إلى الكرملين لتدوين كل ما يقوله ستالين.
هذه المرة استمرت المحادثة لأكثر من ساعتين. لم ألاحظ كيف مضى الوقت. بدا ستالين، بينما هو يتحدث معي، وكأنه في نفس الوقت يتناقش مع نفسه بصوت عالٍ. تطرق إلى العديد من الأسئلة: هزيمة الجبهة الشعبية في إسبانيا. تحدث كثيرًا عن أبطال هذه المعركة. على العموم استمر لعدة دقائق. تركزت أفكاره الرئيسة على موقف بلادنا في العالم، ودورها وإمكانياتها المحتملة. وأكّد أنّه «في هذه الخطة، الاقتصاد والسياسة ليسا على خلاف». متحدثاً عن الصناعة والزراعة، قام بتسمية عدة أشخاص مسؤولين عن الأمور، وعشرات من أسماء قادة الشركات الكبرى والمصانع والعاملين في مجال الزراعة. كان قلقاً بشكل خاص حول إعادة تسليح الجيش، وأيضاً حول دور المؤخّرة في الحرب. حول الحاجة إلى تعزيز اليقظة على الحدود، وأيضاً داخل البلاد. ثمّ، كما لو كان يختم كلامه، أكّد بشكل خاص:
«كل هذا يجب أن يعتمد على أكتاف الشعب الروسي، حيث إن الشعب الروسي شعب عظيم. الشعب الروسي كريم. الروس هم أناسٌ مستنيرون. وُلِدَ الشعب الروسي لمساعدة الآخرين. الشجاعة متأصلة في الشعب الروسي، وخاصة في الأوقات العصيبة، في الأوقات الخطرة. لديهم مبادرة ولها غرض. لذلك، يواجهون صعوبات أكثر من الأمم الأخرى. من الممكن الاعتماد عليهم خلال أيّ سوءِ حظٍ. الشعب الروسي لا يقهر ولا يعرف الكلَل».
حاولت ألَّا تفوتني حتى كلمة واحدة، لذلك كتبت بسرعة حتى أنّ قلمي الرصاصي انكسر. حاولت بطريقة أو بأخرى أن أختطف قلماً آخرَ من الحزمة على الطاولة، حتى كاد منصب الأقلام أن يقع. ألقى ستالين نظرة خاطفة، وبدأ بإشعال غليونه...
متأمّلاً بدور الشخصية في التاريخ، وفي الماضي والمستقبل، ذكَر ستالين العديد من الأسماء– من الإسكندر الأكبر إلى نابليون. حاولت عدم تفويت الترتيب الذي أدرج وفقه الأسماء الروسية.
بدأ مع أمراء كييف. ثم انتقل إلى ألكسندر نيفسكي، ديمتري دونسكوي، إيفان كاليتا، وإيفان غروزني، وبطرس الأول، وألكسندر سوفوروف، وميخائيل كوتوزوف. وانتهى عند ماركس ولينين.
في هذه اللحظة أنا تعبت. أردتُ أن أتحدث عن دور ستالين في التاريخ، لكن كان بإمكاني فقط أن أقول: «سوف يُحفَرُ اسمُكَ...». رفع ستالين يدَه لكي أصمت، فتوقَّفت. وواصل ستالين:
«سوف يتم تشويه العديد من الأمور المتعلقة بحزبنا وشعبنا وتُساءَ معاملتُنا، وقبل كل شيء في الدول الأجنبية، وحتى في بلدنا أيضاً. سوف تكون الصهيونية، في سُعارها التدميري من أجل التفوق العالمي، قاسيةً علينا، وتنتقدنا بسبب نجاحاتنا وإنجازاتنا. ما زالوا ينظرون إلى روسيا كدولة بربرية، كمُلحَق للمواد الخام. وسيتمُّ أيضاً الافتراء على اسمي. يجري الافتراء عليه حتى في الوقت الحالي. وسوف ينسبون إليّ الكثيرَ من الجرائم.
سوف تحاول الصهيونية العالمية بكل الوسائل تدمير اتحادنا، بحيث لا تستطيع روسيا أن تنهض مرة أخرى. تكمن قوة الاتحاد السوفييتي في صداقة الشعوب. سيتم توجيه النصل الحاد للصراعات، أولاً وقبل كل شيء، نحو تدمير هذه الصداقة، لقطع روسيا عن محيطها. وفي هذا الصدد يجب الاعتراف بأننا لم نفعل الكثير. وإنّه هذا لَحقلٌ كبير للعمل.
سوف يرفع التعصب القومي رأسَه بقوّة خاصة، وسوف يهيمن لبعض الوقت على الأمميّة والوطنية. ولكن فقط لبعض الوقت. مجموعات من القوميات داخل الدول ستظهر وتدخل في نزاعات. سيظهر العديد من الزعماء الأقزام في هذه الدول.
على العموم، في المستقبل، سوف تستمر العملية التطوّرية بطرق أكثر تعقيدًا وسرعةً وشراسةً، وستكون المنعطفات والتقلّبات شديدة الحدّة. وسوف يمرّ وقت يحدث فيه أن يدخل الشرق في حالة اضطراب عنيف، وستنشأ تناقضات حادة مع الغرب.
وبالرغم من ذلك، فإن الأحداث، وبغض النظر عن كيفية تطورها، ستصل إلى وقت، تتحوّل فيه أبصار الأجيال الجديدة إلى الإنجازات والانتصارات التي حقَّقَها وطننا الاشتراكي. سنة بعد سنة ستولد الأجيال الجديدة. سوف يفكرون مرة أخرى في راية آبائهم وأجدادهم، وسوف يُقرّون لنا بالفَضْل الكامل. سوف يبنون مستقبلهم على ماضينا».