أية حريةٍ نريد؟
رشا النجار رشا النجار

أية حريةٍ نريد؟

قد تبدو هذه الكلمة فضفاضة إلى الحد الذي لا يمكن فيه حصر كل التصورات التي تنشأ حولها، ولكن لهذه الكلمة وقعٌ خاصّ عند السوريين، فهي مرتبطة بشكلٍ أو بآخر بالأيام الأولى لحدوث الأزمة في عام 2011 وبغض النظر عن المزاج العام الذي ساد آنذاك بين «مؤيد» و«معارض»، فإن النتائج التي تلت ذلك كانت سيئة بما يكفي ليحمل هذا الشعار طابعاً سلبياً في أذهان بعض الناس. ولكن هل هذا يعني أننا حقاً «لا نريد حرية» وأية حريةٍ نريد؟

أية حريةٍ نريد؟

إنّ رفع هذا الشعار بحدّ ذاته يشي بوجود إشكالية عميقة بخصوصه، فغياب الحريات السياسية تحديداً كان واحداً من عوامل انفجار الأزمة، ففي ظل سياسات اقتصادية، كانت ترفع من مستويات عدم الرضى الاجتماعي لدى شريحة واسعة من السوريين، وتزيد الإفقار والبطالة، فإن غياب الحريات، يعني غياب القدرة على مواجهة هذا الضغط... ويعني بالتالي ضغطاً أعلى! ولهذا كان خلف شعار الحرية، الحاجة الماسة للقدرة على الوصول إلى الحرية الفعلية، أي التحرر من الفقر والتخلف، وتوقف التقدم السوري منذ أوساط السبعينات.
ولكن غياب هذه الحريات، قبل الازمة ومع اندلاعها، هو المساهم الأساسي في عدم وجود حالة من الوعي السياسي، ودافعاً هاماً، لتغيّر مسار الحراك الشعبي وتوجهه نحو السلاح.
اليوم وبعد 8 سنوات أزمة يمكننا القول: إن البلاد لا زالت بأمس الحاجة إلى أوسع هامش من الحريات السياسية... كضرورة وطنية.
يقول زياد الرحباني في أحد برامجه الإذاعية: «إذا قررت واحد ما تسمعلو، ما تقلو اسكوت ما تحكي، الأفضل تقلّو احكي، وإنت بهالوقت ما تسمعلو» ويصف الرحباني ذلك بأنه أحسن انطباع يمكن إعطاؤه عن الحرية. وهذا ما تعمل عليه العديد من البرامج الإعلامية، فهي تعطيك حرية التعبير عن معاناتك وتحاول «إيصال صوتك» إلى المعنيين، ولكنّها في الوقت ذاته تروّج لفكرة مفادها أن: هذا هو واقعك الذي عليك تقبّله، وأنك لست الوحيد كذلك، فالكل يعاني أيضاً، وأنّ الحكي لا ينفع.

إنّ حرية التعبير عن الرأي مطلوبة طبعاً، ولكنها غير كافية. فالحرية بوصفها ضرورة من أجل الدفاع عن الحقوق، لا يمكنها التعبير عن ذاتها إلّا إذا كانت قادرة على إحداث التغيير المطلوب من أجل تحصيل هذه الحقوق؛ فمن حق السوري أن يعيش حياةً كريمة ضمن مستويات معيشة جيدة، ومن حقه الحصول على تعليم حقيقي يضمن له مستقبله فعلاً، ورعاية صحية وضمان اجتماعي بعيداً عن التكاليف الباهظة المترتبة على ذلك، بل من حق السوريون الحصول على تعويضات عن خسارات سنوات الأزمة، ومن حق جزء كبير أن يستعيد قدرته على دخول البلاد... كلّ هذه الحقوق وغيرها الكثير، باتت منتهكة اليوم إلى أبعد حدّ.
وكلّ هذه الحقوق لا يمكن استردادها إلا عن طريق مجموعة من الإجراءات التي تضمن الحصول على حريات سياسية تتيح للسوريين إمكانية حل مشاكلهم وتحصيل حقوقهم والدفاع عنها.
إن ما هو مطلوب حقيقةً، هو إعطاء السوريين حق اختيار الأطراف التي يرون أنها تمثلّهم فعلياً، وترغب بحل مشاكلهم، أي: حرية انتخاب الأشخاص والقوى السياسية بناءً على البرامج الاقتصادية-الاجتماعية لهم، وليس كما جرت العادة بانتخابات شكلية لا تغيّر سوى الأشخاص وتُبقي السياسات على ما هي عليه. وأيضاً ان يحصلوا على حق وآليات مراقبة هؤلاء المنتخبين، وإمكانية سحب الثقة منهم. وأكثر من ذلك أن يمتلك السوريين حق إدارة ومراقبة مستويات السلطات المنتخبة كافة.
قد يبدو للبعض أن حرية الوصول لسلطة تكون حقاً ممثلة للشعب حلماً لا يمكن تصديقه، إلا أن الوقائع عالمياً ومحليّاً تشير إلى غير ذلك. وإنّ الطريق للوصول إلى هذه الحريات لا بدّ له من المرور بباب الحل السياسي للأزمة السورية، حلاً توافقياً بين السوريين، كما تنص خارطة طريق الحل المسجلة في القرار 2254. مع ما يتطلبه هذا من دستور جديد، يكفل هذه الحقوق، ويكفل قدرة المجتمع على الدفاع عنها.