إنّه الخوف من المنافسة يا صديقي...

إنّه الخوف من المنافسة يا صديقي...

كتب أركادي سافيتسكي مقالاً في موقع «Strategic-culture» بعنوان: «إنّه الاقتصاد أيها الأحمق: الدافع الحقيقي وراء العقوبات الأمريكية على روسيا»، وجاء فيه ما مضمونه:

فرضت وزارة التجارة الأمريكية حظراً على 12 شركةً بذريعة أنّها: «تعمل بشكل يناقض الأمن القومي أو المصالح الخارجية للولايات المتحدة»، وقد مُنع بموجب هذا الحظر على شركات الولايات المتحدة أن تصدّر بضائع ذات استعمال مزدوج إلى الشركات المحظورة.
وبالنظر إلى الشركات التي استهدفها القرار، فليس لأيّ منها أيّة علاقة بوزارة الدفاع الروسية لا من قريب ولا من بعيد. فشركة: «AeroComposite» تنتج الأجنحة لطائرات «MC-21» المدنية. وشركة «Aviadvigatel» تنتج المحركات للطيران الملاحي، وشركة «Divetechnoservice» تنتج معدات الطوف المدنية، وشركة «Nilco Group» تتعامل مع الحبوب ومنتجات الزيت والحديد والخشب وخدمات المرافئ والورق والأجزاء الإلكترونية والصلب.
لكنّ هدف الولايات المتحدة الحقيقي ليس الجيش، بل الطيران المدني الروسي الصاعد. سيكفينا أن نتذكر بأنّه حالما أعلنت شركة الخطوط الجوية «Aeroflot» عن خطتها لاستبدال طائراتها البوينغ بمئة طائرة «SSJ-100» خارقة، قامت وزارة الخزانة الأمريكية على الفور بدراسة فرض عقوبات على شركة «سوخوي» المصنعة لهذه الطائرات تحت ذريعة اشتراك طائراتها بالهجمات الكيميائية في سورية.
ولكن كلما نظرنا عن قرب سنرى بأنّ العقوبات تستهدف الشركات التي تطوّر الطائرة المدنية «Irkut MC-21». ستكون هذه الطائرة هي الأولى في العالم التي تملك القدرة على نقل أكثر من 130 راكباً بأجنحة ذات أساس مركب «Composite- based».
إنّ حصّة المنتجات الروسية في صناعة الطائرات تتزايد دون شك، وقد بات الروس ينتمون إلى النخبة. ليس هناك إلّا بضعة منتجي أجنحة مركبة ومحركات في العالم، والولايات المتحدة لا تريد أيّ منافس، ولهذا ليس أمامها سوى فرض العقوبات بذرائع تهديد الأمن القومي.
تهدف الولايات المتحدة من ذلك إلى إعاقة تطوير صناعة الطائرات الروسية التي باتت تجذب العالم وخاصة «MC-21» الفريدة من نوعها في العالم. فالمواد المنتجة روسياً تجعل من الطائرة أخف وزناً وأرخص ثمناً، ولهذا قد يشكل حظر الألياف الكربونية والأغلفة مشكلة لإنهاء المشروع وتطويره، ووزارة الخارجية الأمريكية تعرف ذلك تماماً ولهذا ضربت هنا.
والمحرّك يشكّل مشكلة هو الآخر، فهو الأوّل الذي يبنى في روسيا 100% منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والذي سيستبدل المحرّك الذي تستخدمه طائرات «MC-21» حتّى الآن من إنتاج شركة «Pratt & Whitney» الأمريكية.
وتكمن نقطة الضعف الروسية في هذا السياق إلكترونيات الطيران «Avionics» المتخلفة. فرغم أنّ التطوير قائم ولكنّه لا يزال ضعيفاً، ولاتزال روسيا تعتمد هنا على الشركات الأمريكية والبريطانية والفرنسية العملاقة.
يستحيل استبدال جميع أجزاء الطائرة المستوردة بأجزاء مصنعة محلياً دفعة واحدة، فإنتاج جميع المعدات في روسيا سيتطلب وقتاً وجهداً، وذلك رغم أنّه سيكون حافزاً هاماً للقفز بصناعة الطائرات الروسية. يمكن الاستعاضة عن بعض المستوردات الغربية بشرائها من بلدان أخرى كما من الصين وذلك لمنح الصناعة الوقت الكافي لتنافس، وأسوأ السيناريوهات ستكون تأخير الإنتاج التجاري لـ «MC-21» لعامين. الأمر محزن، لكن يمكن لروسيا احتماله.
ولكن هناك عاقبة أخرى للعقوبات الأمريكية، وهي: إخافة الزبائن وإبعادهم عن شراء المنتجات الروسية، وقد يكون هذا هو الهدف الأهم بالنسبة للولايات المتحدة. فالرسالة هنا: «لا تشتروا البضائع الروسية حتّى لو كانت مدنية، عليكم بالبقاء في الجانب الآمن». فإن لم يكن هناك طلب عالمي على المنتجات، فقد لا ينجو المشروع، وإن حصل ذلك ولم تتمكن روسيا من تفادي هذا الأثر فسيكون الأمر كمن دفن منافسه وهو في المهد.
كما ستؤثر العقوبات على المشاريع الصينية- الروسية المشتركة في بناء طائرات ذات بَدَنٍ عريض. فهناك مشروع تطوير محرّك خاص بهذه الطائرة، إنّه محرّك «PD-35» الذي لن يكون له مثيل في العالم. إنّ مشروع الطائرة الصينية- الروسية هو الأول من نوعه الذي يتحدى احتكار البوينغ والإيرباص. ولأنّ الصينيين يعلمون بأنّ روسيا هي الوحيدة التي تملك الخبرة الكافية لإنجاح هذه المنافسة فقد انضمت إليها في هذا المشروع.
نرى هنا بأنّ «السوق الحرّة» يمكن أن تكون حرّة طالما أنّها تضمن هيمنة الأمريكيين، أمّا غير ذلك فسيتم الرمي بجميع الشعارات في القمامة، وستخرج الذرائع المتنوعة مثل: القرم وأوكرانيا وسورية وتسميم سكريبال... يجب أن يعلمنا هذا الأمر درساً قيماً.