الأمريكيون «يؤلمهم دولارهم»
مناوشات في بحر الصين الجنوبي، اتهام الصين بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، وبسرقة التكنولوجيا الأمريكية، حملة تعرفات جمركية وعقوبات جديدة، اتهام الناتو لروسيا بهجمات قرصنة، بل حتى الحديث عن «ضرب روسيا»... أسبوع جديد مضى حافلاً بالتصريحات النارية الأمريكية. فهل من جديد؟!
يرتبط ارتفاع وتيرة التصعيد والتوتير الأمريكي، باشتداد أزمتهم بأبعادها المتعددة: تراجع الهيمنة الاقتصادية، والعسكرية، وبالتالي السياسية، وكل ما يجرّه هذا من مظاهر تراجع في الأداء، يظهر حتى على مستوى سلوك وخطاب الرئيس الأمريكي.
ولكن النقطة المفصلية التي تتكثف فيها، أزمة المركز الرأسمالي الغربي في الولايات المتحدة، هي أزمة الدولار.
يشتد الهجوم الأمريكي، كرجع صدى لتسارع العملية الهجومية، على هيمنة الدولار عالمياً. تلك العملية التي يقودها العملاقان: العسكري الروسي، والاقتصادي الصيني، بالدرجة الأولى. فقوى العالم الصاعدة كانت تضع نصب أعينها منذ مطلع الألفية التبادل بالعملات المحلية، إذ تجلّى هذا في مؤتمرات بريكس الأولى. ولم تستطع أن تنقل هذا الهدف الموضوعي إلى التطبيق الواسع، حتى الآن، بفعل جوانب الهيمنة الأمريكية المتعددة.
ولكن ما كان مقولة عرضية في عام 2000، أصبح اليوم هدفاً قيد التطبيق، ويسجّل العالم أحداثاً يومية في هذا المسار. فعدا عن نقل اليوان الصيني إلى عملة احتياطية دولية، فإن الصين تريد أن تستورد نفطها بعملتها، وتوسع تجارتها وتمويلها بعملتها أيضاً. وروسيا توسع نقل أسلحة الردع العسكري عبر العالم، وتتحدث عن التخلص من الدولار في تجارتها العسكرية وغير العسكرية. وهذه الطروحات تتحول إلى الموضوع الساخن في الحركة النشيطة لكلا الطرفين، مع قوى هامة أخرى كالهند، وتركيا وإيران وعبر العالم. والأهم أنها تنجح في إزالة مخاوف الآخرين، كلما ازداد الضغط الأمريكي والعقوبات وإجراءات الحرب التجارية.
الدولار على منعطف مهم، وهو مهدد بالأزمة المالية التي تدق الأبواب. وخسارة الدولار بالنسبة لنخب المال الحاكمة في الولايات المتحدة، هي خسارة أداة النهب العالمي الأعلى. وما يعنيه هذا من تراجع كبير في معدلات الربح لدى قوى المال العالمي في المركز الغربي. تلك التي أطلقت منذ السبعينيات لجام الدولار من عقاله، وأصبحت الورقة المطبوعة بكلفة «سنتات» تحمل قيمة الـ 100 دولار!
ولكن ما كانت تحميه أمريكا بأحاديتها العسكرية، والاقتصادية، أصبح «في خبر كان». فالعالم اليوم موزع القوى: تتصدره الصين في التمويل ونمو التكنولوجيا وحجم الاقتصاد، وتنافس روسيا بالردع العسكري، والأهم تتكامل القوى الجديدة «للجم جنون» الخاسرين.
الأمريكيون يؤلمهم «دولارهم»، فيصرخون عالياً... وما على العالم الصاعد، إلا أن يهاجم، ويفتح باباً للتراجع والحوار، الذي ستضطر نخب الغرب للعودة إليه. فعالم القوة والردع اليوم لا يفتح مجالاً لحروب كبرى، والهجوم الاقتصادي على الدولار، ضرورة لتغيير توازنات الاستغلال العالمي، وفتح باب التقدم للأمام.