محاولة جديدة للالتفاف على الحل
حاولت الدول الغربية، ومنذ بداية الأزمة السورية، منع السير باتجاه عملية سياسية حقيقية في سورية، واستخدمت من أجل ذلك أدواتٍ مختلفةً تبعاً لتطور الوضع.
لجأت تلك الدول خلال السنوات الأولى إلى الشروط المسبقة، وبيع الأوهام، التي أوهمت بها بعض قوى المعارضة من خلال التهديد بالتدخل العسكري المباشر، أو من خلال دعم المعارضة بالمال والسلاح حتى قادت الوضع في سورية من مأزق إلى مأزق، وبالتوازي مع ذلك حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها عرقلة أي جهد دولي جاد باتجاه الحل، وعندما باتت عاجزة عن عرقلة المبادرات الروسية الإبداعية وخصوصاً بعد مسار أستانا حاولت الدخول إلى ملعب الحل السياسي نفسه، بغية تمييعه، أو تلغيمه من الداخل، وذلك من خلال «مبادرات عديدة» آخرها اجتماع الخماسية.
إدلب بين إستراتيجييتن
على خلفية الوضع المعقد في محافظة إدلب، تحاول الدول الغربية ومعها كل قوى استدامة الأزمة، منع عملية إنهاء الوجود المسلح من خلال تهويل إعلامي واسع، أخذ مسارات عديدة، بحيث تتشابك فيها مصالح أوسع طيف من الدول بدءاً بتركيا «القلقة» والمتأرجحة ما بين الاستحقاقات المطلوبة منها، باعتبارها أحد أطراف الترويكا، وتناقضاتها الداخلية، ومروراً بدول الاتحاد الأوربي، التي ترفع فزاعة موجة نزوح جديدة، والولايات المتحدة التي تستند من جديد على ذريعة استخدام مفترض للكيماوي، وانتهاءً بالتصريحات الصادرة من جماعة منصة الرياض، التي ستصبح هي وسياساتها في موقف أكثر حرجاً مما هي عليه، في حال تطبيع الأوضاع في المحافظة، وإعادتها إلى سلطة الدولة.
ليست المرة الأولى التي نشهد فيها هذه الحملة المسعورة، من قوى استدامة الاشتباك في الداخل والخارج، هكذا كان المشهد عشية حسم الوضع في حلب، وهكذا كان قبيل معركة الغوطة، وكذلك الأمر بالنسبة لوضع المنطقة الجنوبية، وبمراجعة بسيطة تتضح حقيقة أساسية، وهي: أن عملية تراجع محور الحرب عملية مستمرة، وباتت في مأزقٍ جديدٍ، بغض النظر عن غايات ومبررات كل طرف من أطراف هذا المحور، وإن هذا المحور بات عاجزاً عن إيقاف الإستراتيجية النقيضة، القائمة على التضييق على العمل المسلح، والذهاب إلى حل سياسي، عبر تطبيق القرارات الدولية، وخصوصاً القرار 2254 .
تتكثف اليوم في إدلب المواجهة بين الإستراتيجيتين، إستراتيجية استدامة الاشتباك، وإستراتيجية الحل، وفي خضم هذا الصراع تسجل قوى الحل نقاطاً جديدةً بشكل يومي، وتفرض على الخصم خياراتها، ومنها: أن أهمية هذه المعارضة ليست مسألة سورية فقط، بل هي بالإضافة إلى ذلك ذات بُعد دولي، وهي مواجهة بين خيارين على المستوى الدولي: خيار إنهاء الإرهاب من خلال الجمع بين العمل العسكري والسياسي، وخيار الإبقاء على بؤر التوتر بغية الاستثمار فيها.
إن أخذ البُعد الدولي بعين الاعتبار في مسألة إدلب، تسمح بقراءة المشهد قراءة صحيحة، والوصول إلى استنتاجات سليمة للبناء عليها في قراءة المشهد السوري عموماً، واتجاهات تطوره نحو الإسراع بالحل السياسي، على عكس ما تحاول الولايات المتحدة فعله، وتحديداً محاولات تلغيم الحل، فالقوى الصاعدة التي تسجل اختراقات جدية في خطوط التماس الأساسية من حرب العملات، إلى النشاط العسكري الواسع « مناورات الشرق»، إلى بناء الهياكل الاقتصادية الجديدة عوضاً عن تلك الغربية المتآكلة والمتراجعة، إنما تؤمن بذلك مقدمات مرحلة جديدة في تطور المجتمع البشري، وبالتالي، ليس أمامها إلّا خيار الانتصار في معركة الحل السياسي للأزمة السورية، ومنع محاولات الالتفاف على الحل غربياً.