مجلس الأمن ملعب الدوري النهائي
يتحول مجلس الأمن إلى ملعب الدوريات النهائية للصراع الدولي اليوم، بين من ومن؟ بين القوى التي تسعى إلى إبقاء العالم في وضعه المستعصي المتخلف المهيمن عليه من قوى العنف، والقوى التي تريد وتستطيع أن تغير هذه المعادلة...
هذا الصراع الذي يعبر عن نفسه بدول كبرى يتجلى بين: الأمريكان وقوى الصف الثاني الأوروبية الغربية، وتحديداً بريطانيا وفرنسا، وبين روسيا والصين في الطرف الآخر، وبالدرجة الأولى روسيا.
قد لا يعجب هذا التوصيف بعض الراغبين بتبسيط الصراع الدولي الحالي، والنظر إليه بمنظار ضيّق الأفق، ليقولوا: إن الصراع العالمي صراع صفقات ومصالح ونفط بين القوى الكبرى، بينما هو صراع بين إيقاف أو استمرار الهمجية والحرب وربح قوى المال الكبرى منها.
الحرب الدائمة التي تشعلها قوى الإمبريالية بشكل دائم، ربما منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، تقودها الولايات المتحدة... وهدفها نشر الفوضى، أما الفوضى، فهي: أداة تأخير الاستحقاق العالمي بتجاوز النظام العالمي الحالي القائم على الربح الآتي من التدمير والهيمنة.
المعركة المشتعلة عسكرياً، عبر آلة الحرب الأمريكية بالدرجة الأولى، تجد بوجهها آلة ردع عسكرية روسية... تجعل أحلام الدمار الأمريكية، والغنائم السياسية المتوقعة منها بالحدود الدنيا.
ولكن الردع العسكري الروسي بالدرجة الأولى يتطور اليوم، ليستخدم أداة الدبلوماسية والسياسة الدولية، وينافس فيها، بل وينتزعها. ولذلك فإننا نرى مجلس الأمن، والأمم المتحدة، واحدة من المنابر الهامة للتعبير عن هذا الصراع.
خلال أسبوعين اجتمع مجلس الأمن أربع مرات لمناقشة الوضع السوري، الموضع العالمي الذي تتكثف فيه تعبيرات الصراع الدولي، فهنا يريد الروس ومن خلفهم الصينيون، أن يثبتوا أن ميزان القوى الدولي العسكري والسياسي قد تغير. وهنا يحاول الغربيون والأمريكيون تحديداً أن يخرجوا بأقل خسائر، وبأقل (سوادٍ للوجه)، ويديمون اشتباكهم علّ الظروف تسعفهم، وهنا ظهرت وتظهر انقساماتهم وصراعاتهم، وتتحدد مسارات سلوكهم الدولي، في مواجهة الوقائع التي يفرضها الروس عسكرياً وسياسياً.
ففي مجلس الأمن، فرض الروس والصينيون خريطة الحل السياسي للأزمة السورية، وفق القرار 2254، وجرّوا إليه الدول الأعضاء، ليصوتوا ويتبنوا، متأملين أن تستمر الآلية الدولية المتبعة تاريخياً خلال مرحلة الأحادية الأمريكية، حيث يأخذ مجلس الأمن قرارات ويطويها النسيان.
وفي مجلس الأمن أيضاً، فرض الروس التعديلات التي يريدون بعد جلسة طالت لساعات، على قرار مجلس الأمن 2401. ليؤكد على محاربة الإرهاب “داعش والنصرة”، ويجعل محاربة من يضع نفسه في صفهما مشرعة دولياً. وليشير إلى التعامل مع السلوك المعتدي لكل الأطراف، فرقعة المعركة السورية تشمل ممارسات التحالف في الرقة ومخيم الركبان، وممارسات الأتراك في عفرين، وسلوك الفصائل المسلحة وقصفها لدمشق وغيرها.
أما في الأمم المتحدة، فالتغيرات أيضاً كثيرة، وأهمها، الانعطافة المتمثلة، بمشاركة الأمم المتحدة بمؤتمر سوتشي الروسي_ الإيراني_ التركي، أي: مؤتمر تحريك العملية السياسية الروسية دون قوى الغرب، التي كانت تسعى كل جهدها لإفشال المؤتمر. فكان حضور الأمم المتحدة، ومشاركتها بالنتائج، انعطافة لن تقف عند هذا الحد، بل ستتكرر لتثبت بأن أداء الأمم المتحدة الدولي يجب أن يتجاوب مع الاوزان والأداء السياسي النوعي للقوى غير الغربية، ولمبادرات قوى العالم الصاعدة لحلول أزمات مناطقها.
المراقب لجلسات مجلس الأمن الأخيرة، يرى الكثير من الإشارات... فعدا عن هزالة الخطاب الغربي المتباكي، وقوة ومنطق خطاب الأطراف الأخرى، المدعوم بالدلائل. فإن الإشارات الروسية تحديداً أبلغ من هذا: فمجلس الأمن يناقش عدم شرعية الضربات الأمريكية الغربية، بدعوة روسية، ويتم الحديث عن أن الولايات المتحدة لا تستحق أن تكون واحدة من الدول الأعضاء في المجلس، ويتم الحديث عن ضرورة توسيع الدول دائمة العضوية...
إن مجلس الأمن والأمم المتحدة مؤسسات دولية أخذت شكلها الحالي بعد الحرب العالمية الثانية، أي: عقب نتائج ذاك الصراع العسكري الدامي العالمي الذي أوقدته الفاشية العالمية المدعومة من رأس المال المالي الإجرامي الغربي، حيث خرج الأمريكيون كأكبر رابح من ذاك الجنون العالمي. العالم منذ بداية الألفية الجديدة يشهد الحرب العالمية الثالثة بشكلها الجديد، بآلة الحرب الأمريكية وهجومها المزعوم على الإرهاب والفاشية التي خلقتها، وفي خواتيم هذه المعركة العسكرية، هناك رابحون وخاسرون، وهناك هابطون وصاعدون، وهناك أسس جديدة للقوى الصاعدة تحتم سعيها إلى عالم أكثر عدالة وتوازناً... وكل هذا سيجد تعبيراته في المؤسسات السياسية الدولية، وتحديداً مجلس الأمن والأمم المتحدة.