تصريح ترامب وحيرة حلفائه
أحدثت تصريحات الرئيس الأمريكي في أوهايو حول الانسحاب من سورية، صدمة في الكثير من الأوساط السياسية والدبلوماسية، الدولية والإقليمية والسورية، بما فيها الأمريكية، كل من موقعه ولغاياته.
أولاً: جاء الخبر كالصاعقة، على من يظن بأمريكا خيراً، ومن يعلق عليها الآمال، أو حتى من يحاول الاستفادة من وجودها، وتعددت تفسيرات هؤلاء بين من هو غير مصدق، وراح يتعربش بتصريح وزارة الخارجية اللاحق، وبين من راح يندب حظه، ويجدد خيبته، وبين من رد التصريح إلى مزاجية الرئيس الأمريكي وأطواره الغريبة، ومن راح يمنّي النفس بقوات فرنسية بديلة، وبين المحتل التركي، الذي وجد في التصريح مناسبة لتجديد تهديداته، باجتياح الشمال السوري، ليكون ذلك تخادماً جديداً بين الولايات المتحدة، وتركيا، بعد سيناريو التخادم الذي سبق التدخل التركي في عفرين، وما إلى ذلك من ردود أفعال وتحليلات تعجز كل مخابر التحليل السياسي والنفسي عن إيجاد توصيف مناسب لها، إلا كونها حالة تجمع بين: الفصام، وسايكولوجيا الإنسان المهزوم، والخيانة الوطنية، والعمى السياسي، وأوهام تثبيت النفوذ من قبل هذه الدولة أو تلك.
ثانياً: التصريح دلالة جديدة على التخبط، فكما هو معروف كانت أركان حرب الإدارة الأمريكية، وحتى قبل أيام معدودات تلوح بالحرب، والتدخل العسكري المباشر، مما يؤكد مرة أخرى، على أن سياسة الابتزاز، والاستعراض الإعلامي، لن تجدي نفعاً في عالم التعددية القطبية الجديد.
ثالثاً: جاء توضيح وزارة الخارجية الأمريكية، ليفسر التخبط بتخبط جديد، فلا علم لها بخطط أمريكية بالانسحاب من سورية!؟.. وكأن التصريح منسوب لرئيس دولة جيبوتي مثلاً.
رابعاً: وبغض النظر عن جدية التصريح، وما إذا كان توازن القوى ضمن الإدارة سيسمح بالتنفيذ الفوري لمحتواه أم لا، فإن موضوع الخروج الأمريكي من سورية، بات على جدول الأعمال، وطالما أن الأمريكي يعترف بأنه ليس بصدد البقاء في سورية، فإنه لا فرنسا ولا تركيا، قادرتان على البقاء، لا بل أن وجودهما الحالي ومعه كل الوجود الأجنبي، هو الآخر بات على جدول الأعمال، فهذا التصريح «المفاجئ» لدونالد ترامب بالتأكيد، ليس نتاج صحوة أخلاقية لدى سيد البيت الأبيض، بل نتاج أمر واقع، يعبر عن ميزان قوى دولي جديد، له استحقاقاته، ولا تتوقف عند هذه الحدود، شاءت أمريكا أم أبت، صدق ترامب أو كذب، عاقلاً كان أم مجنوناً.
خامساً: إن التخبط والتراجع الأمريكي، ومن يقف في صفه، لا يلغي حقيقة أن الحل السياسي وعلى أساس القرار 2254 كان، وما زال، وسيبقى حلاً نهائياً وحيداً للأزمة السورية، وبكل ما يعنيه هذا الحل، وخصوصاً حق الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل، واستعادة سيادته كاملة على أرضه، وقراره الوطني، ولأن الأمر كذلك، فإن هذا التصريح_ وكما هو_ يعزز مواقع قوى الحل السياسي، الدولية والإقليمية والسورية، بما فيها قوى المعارضة الوطنية، ويؤكد من جديد على صوابية خياراتها، وقراءتها لمسار تطور الأزمة السورية.
موقع قاسيون الالكتروني