في معنى التوازن الدولي
الحديث عن التوازن الدولي الجديد، والتراجع الأمريكي، والتأكيد المستمر عليه، يعني بالدرجة الأولى: أن قدرة الولايات المتحدة على الهيمنة والتحكم بمسار الأحداث_ عسكرياً أو دبلوماسياً أو من خلال المؤسسات الدولية_ ليست كالسابق، وكما جرى في «أفغانستان_ يوغسلافيا_ العراق_ ليبيا» .
ولكن ذلك لا يعني انتهاء دورها نهائياً، على الأقل في التفاصيل والهوامش، مما يعني أن التحكم السابق، تحول إلى إمكانية عرقلة مؤقته للمشروع النقيض لها، في هذه الساحة أو تلك، في هذا الملف أو ذاك.. بمعنى آخر: لم تعد المبادرة بيدها.
تستمد القوى المتراجعة قدرتها على العرقلة، وخلط الأوراق، والشغب في الآني والجاري، من قدراتها العسكرية والاستخباراتية، واستفرادها بالهيمنة، على القرار الدولي على مدى ربع قرن، وهيمنتها المزمنة على المؤسسات الدولية، «الأمم المتحدة_ صندق النقد الدولي، البنوك المركزية» وبالاستفادة من تبعية الشرائح الحاكمة، والنخب الأخرى في الكثير من بلدان العالم، ولكن ذلك كله وكما هو واضح: لا يعني تغيير الاتجاه الأساس الذي تحدده القوى الصاعدة، فالاتجاه الاستراتيجي بات محدداً ولا رجعة عنه، وهو بالضبط وحتى هذه اللحظة يعني: فرض منطق جديد في العلاقات الدولية، ينهي عملية التحكم الأمريكي الغربي، وهي بهذه الحالة منفعلة أكثر مما هي فاعلة، تتأثر أكثر مما تؤثر.
إن التراجع التدريجي المتسارع الذي تمر به الولايات المتحدة بما تمثل من مصالح طبقية، تمثل قاطرة للقوى المتراجعة على النطاق الدولي، هي عبارة عن عملية تراكم متسارعة، يمكن تلمّسها، في الساحات جميعها، بدءاً من شرق آسيا، ومروراً بشرق المتوسط، والخليج، وانتهاءً بأوربا، فالتراجع الأمريكي يعني: تراجع منظومة بكاملها، منظومة اقتصادية سياسية، ودبلوماسية، عسكرية استخباراتية، داخلية وخارجية، بالمقابل تبلور منظومة نقيضة لها.