الحل السياسي.. زخم جديد

الحل السياسي.. زخم جديد

لم تصمد الأجواء السلبية التي أعقبت الجولة الثامنة من جنيف، أكثر من أيام، حيث تحرك الدينامو الروسي، ودارت عجلة العملية السياسية بتسارع جديد، فكان التحريك الشامل للمسار السياسي، وعبر ثلاث قنوات، دفعة واحدة: «جنيف – سوتشي – أستانا» حيث تحددت مواعيد اللقاءات الثلاثة في غضون الشهرين المقبلين، ليضرب بعرض الحائط تنبؤات «العرّافة» من كل شاكلة ولون الذين سارعوا إلى نعي جنيف والحل السياسي.

وجاء هذا التزامن، ليفنّد ومن جديد محاولة إيجاد تعارض بين المسارات الثلاثة، أو تفضيل أحدها على الآخر، أو إلغاء هذا لصالح ذاك، فالمسارات الثلاثة مسارات متكاملة، متوازية، ومتخادمة، ومتناغمة، ولها هدف واحد، وهو الحل السياسي على أساس القرار 2254، وكل ما عدا ذلك، إما أضغاث أحلام تراود مخيلة من يعيش في الماضي، ومجرد أوهام يغرق فيها المتشددون من هنا وهناك، أو تعبير عن قصور معرفي، وسذاجة سياسية لا تستطيع الإرتقاء إلى مستوى إدراك العمليات الجارية في عالم اليوم، وعمقها، وميزان القوى الدولي الجديد، وطبيعة ودور القوى الدولية الصاعدة، وأهمية حل الأزمة السورية بالنسبة لها. 

إن القضايا السياسية العامة، والقضايا الإجرائية الملموسة التي ستبحث خلال اللقاءات الثلاثة المرتقبة، من شأنها أن تهيىء المناخ لإزالة المزيد من الحواجز على طريق العملية السياسية، وتعزز أكثر فأكثر، وبتسارع أشد، مواقع قوى الحل السياسي الحقيقية، ويدفعها إلى مواقع متقدمة، بما يمكنها من دفن الشروط المسبقة نهائياً، وتجاوزها وإجراء التفاوض المباشر، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية لحل الأزمة، وتحديد التخوم بين من يريد الحل قولاً وفعلاً، ويمتلك الإرادة السياسية للإقدام على تنفيذ هذه المهمة الوطنية الكبرى، وبين من ما زال يحاول اللعب في الوقت الضائع للإفلات من هذا الاستحقاق، والالتفاف عليه، وتمييعه، بين من يبحث عن الشكليات، ويقتنص الفرص، وبين من يسعى إلى الاستفادة القصوى من اللحظة التاريخية لإنقاذ سورية والسوريين، فهذه اللقاءات الثلاثة، من شأنها أن تكون موسم إسقاط الذرائع، وتأريض التجاذبات، و بداية مرحلة خوض الصراع السياسي، والاحتكام إلى الشعب السوري في تحديد مصير البلاد.

إن المناخ الإيجابي الذي يتشكل هذه اللحظة من جديد، باتجاه الحل السياسي، يفرض في الوقت نفسه التنبه إلى محاولات قوى الحرب، والفوضى الخلاقة، لاستغلال التعقيدات القائمة، والصراع متعدد الإحداثيات في سورية وما حولها، وبما تبقى لديها من قوى يشتد الخناق عليها يوماً بعد يوم، قديمة وجديدة، للاستمرار في المماطلة، وزرع الألغام على طريق التسوية المطلوبة، مما يلقي على كاهل الوطنيين السوريين الحقيقيين في كل مكان، الترفع عن كل ما من شأنه أن يشوش على مسارات الحل السياسي الثلاثة، بل أن الموقف يتطلب الاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة للحفاظ على وحدة وسيادة سورية، وإيقاف الكارثة الإنسانية، واستكمال المعركة ضد قوى الارهاب، وصولاً إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.