رسالة مفتوحة: إلى الأمام... نحو الحل السياسي!

رسالة مفتوحة: إلى الأمام... نحو الحل السياسي!

الإخوة ممثلو أطراف المعارضة السورية كافة، الإخوة ممثلو وفد الحكومة السورية، السادة العاملون في بعثة الأمم المتحدة الخاصة بسورية، السادة ممثلو دول «مجموعة الدعم الدولية من أجل سورية»، السادة ممثلو الدول الضامنة لمناطق التهدئة ووقف إطلاق النار.


أتوجه لكم بهذه الرسالة المفتوحة لأنقل لكم القلق الذي أشعر به، ورؤيتي لما وصلت له الأوضاع اليوم، وللمخاطر التي يمكن أن تحدث، ولأهمية عامل الوقت، والمسؤولية التي تقع على عاتقنا جميعاً، وبالدرجة الأولى علينا نحن السوريين، لإنهاء معاناة شعبنا والتوصل إلى حالة الأمن والاستقرار في سورية، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها.
لقد تعددت التصريحات والمواقف من الشخصيات المعارضة المختلفة، ومن المبعوث الخاص للأمم المتحدة السيد ستيفان دي مستورا، ورافقها أيضاً الإعلان عن التغير في مواقف بعض الأطراف والبلدان، بالنظرة إلى واقع اليوم في سورية وبعد

سبع سنوات من بداية الأزمة، ألخص هذا كله بالشكل التالي:
بعض شخصيات المعارضة «يصر ويتمسك بأهداف الثورة السورية وأنها يجب أن تستمر ولا يجوز التراجع عنها»، وعلى أن «أي انزياح عن ذلك يعتبر خيانة بحق دماء الشهداء والشعب السوري».
ممثل الأمين العام السيد ستيفان دي مستورا، يطلب من القوى المؤثرة على النظام أن «تدفعه للقبول بالتفاوض بشكل جدي وفعال»، والموافقة على أن يكون «دور السنة، تعداداً وفعالية، أكبر في إدارة الدولة والمجتمع السوري».
تصريحات رؤساء ووزراء خارجية دول مختلفة تدل على تغير الرؤية بالنسبة لهم بما يخص الرئيس السوري بشار الأسد، وتختلف على دوره ومستقبله وعلى أن هذا الموضوع لم يعد شرطاً، وعلى أن الأزمة السورية لم تعد الأولوية لبعض الدول، وعلى أنه يجب على السوريين تقرير مصيرهم، ويعلن البعض من هذه الأطراف الدولية أنه أوقف التمويل والمساعدات العسكرية للمعارضة وغير ذلك...
وخلال هذا كله، تتعدد التحليلات والاجتهادات من خلال المقالات المختلفة والبرامج التلفزيونية فيما يخص مصير محادثات جنيف وأستانا؛ فهناك من يعتبر أن عملية جنيف انتهت، وهناك من يراهن على مسار أستانا، وعلى أن مصير الأزمة أصبح في يد التوافق الدولي وخاصة الروسي الأمريكي، وعلى أن الحرب في سورية حسمت وانتهت وتجري الآن ترتيبات دولية ستقرر كل شيء، وأن الأولوية الآن هي للقضاء على القوى الإرهابية، داعش وغيرها، وأنه توجد مبادرات جديدة فرنسية وغيرها، وتتعدد التحليلات والاجتهادات الصحفية والإعلامية المختلفة بهذا الاتجاه.

بعد هذه المقدمة، أريد أن أتبادل معكم رؤيتي لواقع الأمر اليوم في سورية، وما يجب التركيز عليه:
- يجب على الشخصيات الفعالة في المعارضة السورية، والتي لها دور في مسيرة المفاوضات، والمبنية على الحل السياسي للأزمة السورية، التخلي عن كل المفاهيم والمواقف «الثورجية» لأنها غير واقعية، ويكفي الوقت الذي مضى، أي: قرابة سبع سنوات كدليل على أن هذه الشعارات والأهداف والتخوين واستخدام دماء الشهداء ودموع أمهاتهم، لن تساعد على الخروج من الأزمة، بل ستزيد وتطيل معاناة الشعب السوري، وستهدد وحدة الأراضي السورية، بل ويمكن أن تفجر حرباً أهلية حقيقية ستكون نتائجها عشرات أضعاف ما حل بسورية وبشعبها حتى اليوم.

- كما يجب الابتعاد عن أية أفكار للخروج من هذه الأزمة من النوع الذي له علاقة بطبيعة المجتمع السوري قومياً « أو مذهبياً أو طائفياً، أو تقديم النصائح بهذا الاتجاه؛ فهذا موضوع خطر جداً، وهنا أريد أن أوضح أن هناك فئة كبيرة من المجتمع السوري ليست راضية عن طبيعة وشكل وممارسات النظام، وتريد التغيير الحقيقي والمشاركة الفعلية في هذا التغيير، كما أن هناك فئة أخرى لا يجوز الاستهانة بها، تؤيد النظام الحالي، وبحكم الأحداث التي جرت في السنوات الأخيرة، والتصريحات والبيانات والشعارات المتطرفة التي تصدر من بعض مكونات المعارضة فإن هذه الفئة تعتبر أي تغيير أو تنازل عن السلطة، يعني تهديداً مباشراً لها، وقضاءً مباشراً عليها حتى جسدياً. هذا هو واقع الحال اليوم في سورية، وإننا في منصة موسكو عندما اتخذنا مواقفنا وسياستنا، فقد كانت مستندة إلى معرفتنا الحقيقية لواقع الوضع في المجتمع السوري، ونعلن دائماً أنه ضمن هذه الرؤية وهذا الوضع، لا يمكن أن يكون هنالك أي حسم عسكري لأي طرف، وأنه لا يوجد خيار آخر للخروج من هذه الأزمة إلا من خلال المفاوضات والحوار بين السوريين، لأن الأوضاع أوصلت المجتمع السوري إلى تباعد وشرخ عميق لا يمكن معالجته دون الوساطة والجهود الدولية. ولذلك تمسكنا في منصة موسكو بقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ ولا نرى سبيلاً أو حلاً آخر إلا من خلال تطبيق هذا القرار بحذافيره، ودون أية شروط مسبقة، كما ورد في نص القرار، ولن يكون هناك حل في سورية إلا عن طريق حكم مشترك موسع وانتخابات ديمقراطية وإشراف دولي، وهذا الإشراف الدولي هو ضمانة لكل مكونات الشعب السوري السياسية أولاً، وغيرها من المكونات القومية والدينية والطائفية.

إن عامل الوقت هام جداً، وخاصة بعد أن حقق مسار أستانا تقدماً على الأرض بتوسيع مناطق التهدئة ووقف إطلاق النار، لأنه إذا لم يرافق مسار التهدئة البدء بالمفاوضات والسير في مسار جنيف للحل السياسي والبدء بتطبيق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، فهناك خطر كبير على سورية من كل النواحي: تقسيم، حرب أهلية، عودة الإرهابيين، وتعميق جرح الانقسام في المجتمع السوري...

الوضع الحالي في سورية لا يتحمل تأخيراً في البدء الفوري بخطوات عملية ومحددة للسير، والبدء الفعلي بتنفيذ القرار ٢٢٥٤، مما يتطلب من الجميع، وبالدرجة الأولى النظام والمعارضة، تجاوز العقبات كلها للبدء بتنفيذ هذا القرار، وأعني هنا بالدرجة الأولى التخلي عن أية شروط مسبقة سواء من المعارضة أو من النظام، بل أكثر من ذلك الإعلان جهاراً عن الالتزام بالقرار ٢٢٥٤ والقبول بأن تكون بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالأزمة السورية الوسيط والحكم في حال الاختلاف على تفاصيل تطبيق القرار هذا، وبالإضافة إلى تمثل المعارضة بوفد واحد وفي حال عدم تمكنها من تشكيل هذا الوفد حتى نهاية الشهر الحالي، أي: قبل الموعد المقرر لجولة جنيف الجديدة، يتم تعيينه من قبل الأمم المتحدة وبرعاية روسيا وأمريكا، وذلك مراعاة للبند العاشر في القرار ٢٢٥٤. ويتطلب الأمر بعد ذلك تشكيل فريق عمل خاص من بعثة الأمم الخاصة بسورية يحتوي على أخصائيين مهنيين في القانون الدولي، يرافق المفاوضات المباشرة ويشرف على سيرها، ويكون بمثابة الحكم في حال حصول خلاف وعدم اتفاق بين وفد النظام والمعارضة ويكون قرار الفريق الدولي المرافق ملزماً للطرفين، وتستمر المفاوضات على هذا الأساس.
بالإضافة إلى كل ما ذكر، يجب تشكيل فريق عمل دولي وبوجود خبراء تقنيين سوريين وحياديين، يعمل بالتوازي مع المفاوضات المباشرة ويقدم اقتراحات وتصورات محددة وخاصة فيما يخص القضايا الحساسة الخاصة بأجهزة الحكم وما تحتاجه من إعادة هيكلة أو تغييرات معينة تراعي بالدرجة الأولى مصلحة الدفع باتجاه خلق الظروف والتغيرات لأوسع مشاركة ممكنة من المجتمع السوري بتنوع مكوناته السياسية وكذلك القومية والدينية والطائفية، وترسيخ قاعدة المصالحة الوطنية والتسامح، وضمان الحقوق والمساواة للجميع.

إن التقرير التحليلي الأخير الصادر عن البنك الدولي يظهر حجم المأساة والدمار اللذين تعيشهما سورية وشعبها، وواضح من هذا التقرير أنه بدون المساعدة والتعويضات الدولية التي يستحقها الشعب السوري فإنه من الصعب جداً أن تستطيع سورية لوحدها الخروج من هذا الوضع المأساوي ومعالجة آثاره التخريبية على المجتمع وبنية الدولة، وتتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية هذا الحجم من الدمار والخراب والمأساة، الأخطاء التي ارتكبتها بعض الدول الإقليمية والدولية، مما جعل الوضع في سورية معقداً جداً، واليوم سورية بحاجة إلى المساعدة الدولية الفعالة والبناءة في كل المجالات، وشعور السوريين بهذه المساعدات والتعاون معهم في هذه الظروف، سيساعد على تجاوز الكثير من العقد والتخلي عن المفاهيم والمواقف المتطرفة والشاذة. ودون موقف جدي بهذا الاتجاه في مساعدة الشعب السوري ستستمر المأساة وستتفاقم...

بعد الانتهاء من كتابة هذه الرسالة، قرأت خبراً عن أن طفلاً في اليمن قتل خمسة أشخاص نتيجة عراك حصل على بئر للماء، وقد استوقفتني هذه الحادثة للتفكير العميق بما وصلت إليه الأمور في بعض بلداننا العربية، وبالجيل الذي ينشأ في ليبيا والعراق واليمن وسورية؛ جيل كامل بلا تعليم، تربى في أجواء القتال والتطرّف والحقد... ورغم هذا كله لم يفت الأوان بعد على معالجة مشاكل وأمراض هذا الجيل إذا اتحد المجتمع الدولي، وبكل إمكاناته المادية ومؤسساته المختلفة. وليس هناك مهمة أهم من هذه للقضاء على الظاهرة الإرهابية من جذورها، ولتكن الإجراءات الفورية لإنقاذ سورية من أزمتها هي النموذج المحفز لبلدان المنطقة الأخرى من أجل وضع حد لمعاناة شعوبها، وفرض الاستقرار والأمان فيها، وإعادة بنائها لما فيه خيرها والسلام والأمان في العالم...

قدري جميل

رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية

05-09-2017

معلومات إضافية

العدد رقم:
827
آخر تعديل على الأحد, 10 أيلول/سبتمبر 2017 17:20