تركيا - أمريكا.. تبادل أدوار

تركيا - أمريكا.. تبادل أدوار

لا يختلف اثنان من العقلاء، بأن القصف الجوي التركي، قبل أيام على مواقع عسكرية كردية، في سورية والعراق، واستمرار القصف المدفعي لليوم الثالث على التوالي على مواقع حدودية عديدة، ما كان له أن يكون، ويستمر، دون الحصول على ضوء أخضر أمريكي، وذلك رغم تنسيق الطرفين مع واشنطن، والسؤال: ما هو الهدف الأمريكي من وراء ذلك؟

أولاً: تستوجب استراتيجية الفوضى الخلاقة الأمريكية، وجود عدة أطراف متصارعة في الساحة نفسها، كل من موقعه، ولغاياته وأهدافه، الآنية، والاستراتيجية، بغض النظر عن اصطفافاتها، إن كانت في الصف الأمريكي أو لم تكن كذلك، فالثابت هنا هو: استمرار التوتر الذي يعني، بقاء القوى كلها تحت الضغط، وإمكانية إخضاعها للابتزاز المتبادل، الكل يبتز الكل، كخطوة أولى على طريق ضرب الكل بالكل، وإنهاك الجميع، واستقواء الكل بواشنطن.. إن استعراضاً سريعاً للنتائج الأولية للضربة التركية يبين ما يلي: 

- تعميق الخلافات الكردية– الكردية– بين حزب العمال الكردستاني وامتداداته، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في كردستان العراق وامتداداته، على خلفية الاتهامات المتبادلة من الطرفين بتحميل الطرف الآخر المسؤولية، ففي حين حمّل الحزب الديمقراطي المسؤولية لوحدات حماية الشعب، واكتفى بإصدار بيان خجول، رغم أنه فقد سبعة من مقاتليه في الضربة التركية، اعتذرت الحكومة التركية لاحقاً عن «الخطأ»، اتهم العمال الكردستاني بأن القصف جرى بعلم وتنسيق مع حكومة الديمقراطي!!؟ وفي هذا السياق أشارت بعض التقارير عن محاولات في واشنطن للفصل بين حزب العمال الكردستاني الذي ما زال على القائمة الأمريكية لقوى الإرهاب، وبين قوات الحماية.

- تعميق الصراع التركي– الكردي، وخصوصاً داخل تركيا، حيث أعقبت العملية مواجهات عنيفة بين الطرفين في العديد من المناطق داخل تركيا، وصولاً إلى منع أي تفاهم لاحق قد يفرضه تطور الوضع الدولي والاقليمي، حول حل القضية الكردية في تركيا حلا ديمقراطياً عادلاً. 

وفي هذا السياق أيضاً، تحاول قوى الحرب في واشنطن، إيجاد المزيد من التوتير في العلاقات التركيا – الروسية، حيث يحاول الطرف الروسي، دفع تركيا إلى موقع جديد في الأزمة السورية، ضمن سياسته القائمة على احتواء تركيا بعيداً عن الجموح والعربدة التي يمارسها بحق دول الجوار، وبما يتجاوز وزنه الفعلي في ظل التوازن الدولي الجديد.

ثانياً: من جملة أهداف سياسة غض النظر الأمريكية عن سياسات أردوغان، ومنها القصف التركي الأخير، فرض المزيد من التعقيد على ملف الأزمة السورية، واستخدام هذه السياسات كوسيلة للتعاطي مع الملف الكردي السوري بمنطق جديد، ليس باعتباره جزءاً من الأزمة الوطنية السورية، بل تحويله إلى قضية دولية، الأمر الذي يعني إخضاعها لمزيد من التجاذب الإقليمي والدولي، ومنع حلها حلاً ديمقراطياً حقيقياً، ومما يؤكد هذا الافتراض، عدم سعي واشنطن إلى حضور ممثلي قوات الحماية وأطرها السياسية لجلسات مؤتمر جنيف الخاصة بحل الأزمة السورية، ومنعها من فرض ذلك من خلال قرار من مجلس الأمن الدولي، في إطار السعي الروسي المستمر لتمثيل هذه القوة في أي حل مرتقب للأزمة السورية.

ثالثاً: إيجاد مبررات لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي المباشر، ولا يستغربن أحد، أن يصدر قرار جديد من قوى الحرب في الإدارة الأمريكية بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة،  لاسيما وأنه أعقب القصف التركي، حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تطالب بمنطقة حظر جوي على شمال سورية.

لاشك أن مواجهة الدور القذر الذي تلعبه تركيا، من خلال مختلف أشكال التدخل، في الملف السوري، يعتبر حقاً مشروعاً وواجباً وطنياً وديمقراطياً، ولكن التفريق بينه وبين الدور الأمريكي، أو محاولة الاستقواء بالأمريكي بحجة التدخل التركي، هو في أقل الحالات تعبير عن بؤس سياسي، في فهم المشهد السياسي الراهن، وجذر هذا البؤس، يكمن في القناعة بأن واشنطن ما زالت قادرة على فرض الوقائع على الأرض، والتحكم بالملف السوري، ففي الوقت الذي تقر واشنطن رسمياً بعدم قدرتها على لعب هذا الدور، وفي الوقت الذي عجزت واشنطن عن تنفيذ تعهد واحد من تعهداتها للمعارضة السورية، التي تعول عليها منذ بداية الأزمة، وعلى الرغم من خطاب الندب والنواح لمعارضة الرياض بخذلان واشنطن لها، ما زال البعض من القوى الكردية تُصدق واشنطن ووعودها وتتأمل منها خيراً؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
808