الحل السياسي السوري/الكوري
اندلعت الحرب في شبه الجزيرة الكورية عام 1950 عقب الحرب العالمية الثانية، وانتهت المعركة من حيث بدأت في ظل توازن القوى الدولي الصفري في حينها، بين جمهورية الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي من جهة، وبين الولايات المتحدة التي قادت الحرب في جزء كوريا الجنوبي، وبعد ثلاثة سنوات أخمدت النيران بعقد اتفاق لتقسيم كوريا إلى كوريتين: شمالية وجنوبية..
شبه الجزيرة الكورية محاطة بالأراضي الصينية بيابستها الشمالية، مع حدود ضيقة مع الشرق الأقصى الروسي، بينما تقع سواحلها في الشرق والغرب والجنوب على بحار المنطقة الأساسية: بحر اليابان، والبحر الأصفر، وبحر الصين الجنوبي.
الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن الماضي، كانت تعبيراً عن استجابة الولايات المتحدة، المستفيد الأكبر من الحرب العالمية الثانية، للتغيرات الكبرى التي فرضتها الحرب في آسيا، عندما ترسخت جمهورية الصين الشعبية، جمهورية شيوعية، فاختارت الولايات المتحدة تلك الخاصرة الشرقية الكورية التي تجاور كل من الصين واليابان والاتحاد السوفييتي، لتثبت وجودها في المنطقة.
الاستفزاز الأمريكي لا الكوري الشمالي!
اليوم وبعد أكثر من نصف قرن على نهاية تلك الحرب، يعود ميزان القوى الدولي المتغير ليعبر عن نفسه في منطقة التوتر الشرقية الأساسية، وأيضاً باستفزازت أمريكية، متمثلة بتحركات البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، وبداية التجهيز لنشر الدرع الصاروخي الأميركي «ثاد» في كوريا الجنوبية، هذا عدا عن العدد الاستثنائي للقواعد العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية والتي تبلغ 196 قاعدة عسكرية أمريكية، وقرابة 26% من القواعد العسكرية الأمريكية عالمياً.
ملف النووي الكوري الشمالي، هو أهم ذرائع التوتير في المنطقة، التي يزداد التواجد العسكري فيها، منذ عام 2009، بحسب ما رصدته الأبحاث الصينية، التي أعقبها الإعلان الأمريكي الرسمي في عامي 2012 و2013 بأنه سيتم نشر 60 في المائة من السفن الحربية، و60 في المائة من القوات الجوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2020. لذلك فإن المسألة أبعد من الذرائع المرتبطة بكوريا الشمالية أو غيرها من الملفات، المسألة تتعلق بالحرب الأمريكية المحمومة التي تريد بها مواجهة الأزمة الاقتصادية العميقة للمنظومة الرأسمالية العالمية.
استهداف 23% من الناتج العالمي
ففي المنطقة المحيطة بكوريا، ينتج أكثر من 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من الصين واليابان وكوريا الجنوبية سوية، وقرابة 27% من الناتج العالمي إذا أضفنا روسيا وأستراليا.
ولكن الأهم من أرقام الناتج ونسبه، هو التهديد المتمثل بانفتاح أفق التعاون بين هؤلاء الجيران المتصارعين، الأفق الذي يتحول إلى معالم جدية، مع إعلان كل من الصين وروسيا عن محاولاتهم لإقامة علاقات اقتصادية وترميم العلاقات السياسية المشوهة مع اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، والأهم أن فرص الاستقرار والتنمية المشتركة قد تتيح نمواً استثنائياً في المنطقة، سيسرع من وتيرة زيادة وزن الشرق الاقتصادي والسياسي في ميزان القوى الدولي، بعد أن نحّى التعاون الصيني- الروسي بالدرجة الأولى، الغرب المأزوم اقتصادياً، ووضعه في أزمة سياسية دولية، يحاول أن يحلّها منذ مطلع الألفية بقيادة السلاح العسكري الأمريكي..
من «الشرق الأوسط» للأقصى
وربما نستطيع أن نلخص المسعى الغربي للحرب عموماً، وفي الشرق الأقصى خصوصاً بالقول: «بأنك إذا لم تستطع أن تتقدم كما الآخرين، فما عليك إلا أن توقف تقدمهم»، والمقصود هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية، تحاول أن تهيمن على أحد أهم مواقع النمو الاقتصادي العالمية، أو تحاول على الأقل أن توقف التقدم عبر التدمير والحرب.. لأن استمرار وتيرة التعاون الآسيوي بقيادة الصين وروسيا، ستؤدي إلى رجحان كبير في ميزان القوى لصالح آسيا والشرق، وستزيد احتمال استمالة كوريا الجنوبية واليابان، وفق الاتجاه الموضوعي الذي تفرضه الجغرافيا السياسية للمنطقة.
الولايات المتحدة تنتقل إلى «خطتها ب» المتوقعة، وتتوجه نحو الشرق الأقصى، ولكن هذا يأتي بعد توضح حدود مشروعها في منطقتنا «الشرق الأوسط»، حيث قلب العالم، وعصب الطاقة، وحيث النفوذ الأمريكي العميق خلال نصف القرن الماضي، في تركيا والسعودية وعبر الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى..
فالمنطقة التي يتحول فيها الحل السياسي للأزمة السورية إلى المؤشر البارز الأول على رسو ميزان القوى الدولي الجديد، والتراجع الأمريكي، تدفع الولايات المتحدة إلى ميدان التوتر الآخر في كوريا.
ولكن هل تستطيع؟!
ولكن هل ستستطيع قوى الحرب الغربية التي تفشل في استكمال سيناريو الحرب الموسعة في منطقتنا، أن تنجح في إطلاقه في الشرق الأقصى؟! منطق الأمور يقول أن الولايات المتحدة التي أعلنت في سورية أنها غير قادرة على مواجهة عسكرية دولية مباشرة، لن تكون قادرة على هذه المواجهة في كوريا، حيث الصين وروسيا متواجدتان عسكرياً وبقوة، ومنطق الأمور يقول أيضاً أن ما كانت تستطيع أن تفعله الولايات المتحدة قبل ست سنوات، هو أقل مما تستطيع أن تفعله اليوم مع تراجعها المستمر، وتقدم الآخرين المستمر أيضاً.
ربما سيرينا التصعيد في كوريا، سرعة غير مسبوقة في فرض منهج الحلول السياسية، وسيظهر سريعاً عنوان: «الحل السياسي الكوري» بعد أن أتت ردات الفعل الروسية والصينية المتوقعة، بالتأكيد على الحل السلمي للمسألة الكورية، المدعوم بالتهديد الموضوعي المتمثل بقوات الردع العسكرية لكلا البلدين، وتوضيح الصين بأنه ما من منتصر في حرب كهذه، وأن من سيشعلها سيدفع ثمنها!
وعلى الضفة الأخرى قد نرى بعد هذا التصعيد سرعة غير مسبوقة في التراجع الأمريكي في آسيا خصوصاً والعالم عموماً، وفي تعمق العلاقات الآسيوية على أساس السلم والتعاون الاقتصادي، ومن يعلم قد تتوحد كوريا مجدداً بعد أن قسمها النفوذ الأميركي المتصاعد بعد الحرب العالمية الثانية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 806