العصا (الأستانية) الغليظة..!
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب الاجتماع الثلاثي (الروسي- الإيراني- التركي) يوم الثلاثاء20|12 في موسكو، عن إمكانية عقد مفاوضات سورية- سورية في العاصمة الكازخستانية أستانا..
وقد بات من شبه المؤكد أن المؤتمر سيعقد في (نهايات الشهر الثاني من العام القادم). بالتوازي مع ذلك تنشطت الدعوات الغربية للعودة إلى جنيف، فيما بدت أنّها محاولة لقطع الطريق على أستانا!
ترافق ذلك كلّه بتخبط عالٍ ضمن صفوف معارضة الرياض، التي بدأ بعض أعضائها بتقديم «اعتذاراتهم» للشعب السوري، عن فشلهم وفشل شعاراتهم وخططهم، وعن تبعية العديد منهم للعواصم الإقليمية والدولية، بل وعن الفساد الذي يسود أوساطهم.
اللافت للنظر، وربما هو أمر بات معتاداً، أنّ متشددين في طرفي الأزمة السورية، متفقون على إبداء رأي محدد من أستانا: أنها نسف لجنيف وللقرارات الدولية. بطبيعة الحال، فإنّ الطرفين يتعاملان مع هذا «الاستنتاج» كلّ على طريقته؛ فمتشددو المعارضة يبدون تخوفهم من تحول أستانا إلى التفاف على القرارات الدولية، باتجاه تنفيذ ما يسميه النظام «حكومة موسعة». وأما متشددو النظام فيرحبون بأستانا ويروجون، أن فيها نسفاً لجنيف ولـ2254 وصولاً إلى «الحكومة الموسعة» ذاتها.
الحقيقة، كما هي العادة أيضاً، ليست في أقوال أي من الطرفين؛ فمؤتمر أستانا، وضمن الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي يعقد فيها، له الإحداثيات التالية:
أولاً: إذا كان لقاءا موسكو التشاوريين، (بالشهرين الأول والرابع من عام 2015)، قد شكلا خطوة ضاغطة لإصلاح «مؤسسة جنيف»، سواء على مستوى شكل تمثيل المعارضة، أو لناحية تثبيت توازي وتزامن الحل السياسي، ومحاربة الإرهاب، الأمر الذي انعكس في 2254 ومن ثم في جنيف 3 الذي جرى تخريبه من الغرب وأتباعه، فإنّ أستانا أيضاً يشكل خطوة مشابهة بهذا المعنى؛ أي أنّه مؤتمر لاستكمال إصلاح مؤسسة جنيف بشكل نهائي.
ثانياً: أستانا ليس عبارة عن (موسكو3) فحسب، بل هنالك احتمال جدي أن يتحول إلى بديل مكاني عن مدينة جنيف السويسرية، ذلك إنّ أصرت واشنطن وحلفاؤها على الاستمرار في تعطيل تنفيذ القرار الدولي 2254. بما يعني أنّ أستانا ليس نقيضاً لجنيف- المؤسسة والقرارات الدولية، ولا حتى نقيضاً لجنيف- المكان، ولكنه من الممكن أن يتحول إلى نقيض مكاني، الغرض منه ليس إلا تنفيذ القرارات الدولية نفسها التي كان مفروضاً تنفيذها انطلاقاً من جنيف.
ثالثاً: إنّ الرمزية الجيوسياسية لأستانا، وعقب اللقاء الثلاثي الروسي الإيراني التركي، لهي رمزية عالية؛ فأستانا ربما تشكل ما يشبه مركز ثقل هندسي لا لهذه الدول فقط، بل ومعها الصين والهند. بكلام آخر، فإنّ مؤتمراً في أستانا لتطبيق القرارات الدولية، هو تعبير مجازي وفعلي، عن انتقال مراكز ثقل التوازن العالمي بشكل نهائي؛ ومصطلحات من قبيل (المجتمع الدولي) و(الأمم المتحدة) لن يطول بها الأمر حتى تصبح أشكالاً لمحتوى جديد، ولن تبقى كما كانت طوال عقود ناطقة باسم المصالح الأمريكية الاستعمارية.
بالمحصلة، فإنّ مؤتمر أستانا، هو عصا غليظة في وجه الغرب، هدفها تنفيذ 2254، سواء انطلاقاً من أستانا نفسها، أو عبر المرور بجنيف السويسرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 790