د.كامل سليم حاتم د.كامل سليم حاتم

أبعاد الأزمة في سورية

يتعرض وطننا منذ ما يقارب السنة لأزمة لا تخفى آثارها السلبية على مختلف الجوانب الاقتصادية و الأمنية و السياسية و الاجتماعية و الوطنية ، وبقراءة معينة بعد أن تكاملت الصورة نجد أن أبعاد الأزمة قي سورية تتكون من ثلاثة محاور تشكل الأسباب و الموجهات لما يحدث في الوطن:

1-المحور الأول محور (س):هو وجود نظام حكم منذ 50 سنة غير ديمقراطي اعتمد الفكر الأحادي و أسلوب الفرض بالقوة الأمنية مما أدى لتغييب التنوع الفكري و السياسي وانتشار و تعشيش منظومة فساد في مؤسسات و أجهزة الدولة، مما كان له آثاره الاقتصادية و الاجتماعية .فبرزت قوى ترى ضرورة تغيير النظام لآخر ديمقراطي تعددي يحقق العدالة و ينتج عقداً اجتماعياً جديداً يزيد من قوة الوطن ووحدته وازدهاره وتقدمه في كافة الجوانب.هذه القوى مكونة من نخبة مثقفة و أحزاب وطنية و يسارية و ليبرالية وقومية وطبقات اجتماعية ترغب بالمشاركة الأوسع في القرار الوطني و لها قراءة خاصة للواقع في سورية.

 2- المحور الثاني محور (ع): وجود نظام حكم في سورية يقوم بدور ممانع ضد المشروع الامريكي الصهيوني و يدعم قوى المقاومة، حيث تكاد سورية تكون من الدول القليلة في المنطقة التي لم توقع اتفاق استسلام مع اسرائيل، ولا توجد قواعد أمريكية على أراضيها و غير خاضعة لسياساتها. فحافظ و لو نسبياً على استمرارية القضية الفلسطينية. يتضرر من السياسة الخارجية لهذا النظام الكيان الصهيوني الولايات المتحدة، و القوى العميلة و الأنظمة التابعة لهما في المنطقة، فقامت هذه القوى بتسخير إمكاناتها الاقتصادية و الإعلامية و الدبلوماسية لإسقاط النظام, أو تعميق الازمة واستمرارها لإجبار النظام على تغيير سياسته الخارجية ,أو في أضعف الإيمان إنهاك سورية و قدراتها، مستفيدين من نقطة ضعف النظام كما سبق شرحه في المحور س و المتعلق بالديمقراطية.مما يؤدي في النهاية إلى محاصرة قوى المقاومة ومحورها و إضعافها تمهيداً للقضاء عليها و خصوصاً بعد الانتصارات التي حققتها في العقد الأول من هذا القرن.وهنا يبرز الدور الروسي الذي يريد الحفاظ على سورية خارج النفوذ الأمريكي ليبقى لديها منفذ متاح في الشرق الأوسط.

 3-المحور الثالث محور (ص):وجود قوى إسلامية و طائفية سواء شبه المعتدلة أو المتطرفة، و التي ترغب بإسقاط النظام العلماني لإقامة الدولة الدينية حيث يكون حسب اعتقادهم (كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى) (ويكون الدين كله لله).هذا المحور مرتبط بالمحور الثاني ع حيث تم تسخيره من قبل المحور ع لتحقيق أهدافه السياسية تحت شعارات دينية متطرفة و طائفية تريد حرف أولويات الأمة ونقل محور الصراع المركزي من القضية الفلسطينية إلى صراع وهمي مع إيران، فيتحقق بذلك مقولة (اضرب رأس الأفعى بيد عدوك) حسب الاستراتيجيات المعادية للأمة.يتوقع سيطرة هذا المحور على الحكم في حال سقوط النظام.

بعد دراسة المحاور الثلاثة يقع المواطن السوري في حيرة: هل ما يحدث هو (ثورة شعبية وطنية من أجل الديمقراطية ضد النظام السوري) أم هو (ثورة أمريكية خليجية بأدوات طائفية ضد قوى المقاومة في المنطقة) ؟.هل يقف إلى جانب النظام السوري أم إلى جانب تحالف  الغرب-14 آذار-أنظمة الخليج-الإسلام السياسي؟. ما بين هذا وذاك ينقسم الشعب السوري إلى نصفين، ووسائل إعلام الطرفين تستقطب البسطاء بخطاب إعلامي باهت ينضح بالأكاذيب و المبالغات و الشحن العاطفي و التوجيه المتطرف لتحقيق الأهداف السياسية، مما قطع الطريق أمام الحوار الذي هو بديهياً الحل الوحيد لأي خلاف داخلي يحصل في أي بلد في العالم،فمهد الطريق لتدخل محور ع مستخدماً محور ص،مما سيؤدي بالنهاية لنتائج كارثية على الوطن.حسب أحد الآراء: أن المحور س لم يكن دوره إلا إطلاق الشرارة الأولى،تم تغييبه فيما بعد ليستلم المحوران ع ص زمام المبادرة.

الفئة الواعية التي تقف بالمنتصف والتي تريد أن تقاوم هذا المشروع الخطير تجد نفسها عاجزة عن الفعل لغياب وجود وسائل إعلام تتحدث بفكرها و لعدم قدرتها على تأمين التمويل اللازم لذلك،و عدم قدرتها على الإقناع بسبب انحطاط المستوى الفكري و الثقافي الشعبي العام بعد غياب الحرية وقمع الحركات الوطنية العلمانية على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي أدى لنشوء بيئة فكرية راكدة فاسدة مناسبة لنمو الطحالب و الحشرات الضارة من الحركات والقوى الرجعية و كذلك الفئات المستفيدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
543