سلمية وطنية أم مسلحة خليجية؟

تتعالى أصوات الخليجيين من جديد حول الأزمة السورية، وهذه المرة مطالبة بتسليح المعارضة السورية وما يسمى (الجيش الحر) بمواجهة الجيش السوري النظامي..

قطر والسعودية، صاحبتا الإقتراح، بعدما عملتا لعقود على نزع سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ومارستا شتى صنوف التآمر عليها، ومحاولات النيل من سمعتها، عبر إتهامها بالمغامرة، وتوريط الشعوب العربية بحروب مع الكيان الصهيوني، يدفعان اليوم على تسليح المعارضة السورية والحركة الشعبية، بما يذكر بدعم السعودية لحركة طالبان والإسلاميين الأفغان بالسلاح والمال والرجال بمواجهة «السوفييت الكفار» في إطار حرب هي دولية بالجوهر (بين أمريكا والاتحاد السوفياتي)، واليوم الأمر نفسه يكرره الخليج في خدمة المخططات الأمريكية- الأسرائيلية، في حرب دولية أيضاً، لا تهدف إلى حماية السوريين حتماً، بل إلى تصفية المحور المعادي لتلك المخططات...

لم يبد الغرب أي تحفظ جدي على الطرح الخليجي، إلا فيما يتصل بتخوفه من وصول السلاح إلى تنظيم القاعدة، ويدور النقاش إعلامياً حول فكرة التسليح بين الأطراف الثلاثة،أمريكا وأوربا والخليج، بما يوحي بأن السلاح لم يتم إستخدامه بعد، وبما يسعى إلى تجهيز المزاج الشعبي لفكرة استخدام السلاح والاقتتال الداخلي، وفي محاولة لوأد سلمية الحراك، والذهاب إلى المواجهة المسلحة، في حين أن الفصائل المسلحة لما يسمى (بالجيش الحر) موجودة على الأرض منذ أشهر، وتخوض مواجهات مع الجيش النظامي بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ولم تكن «كتيبة الشيخ حمد»، التي أعلن عن تشكيلها مؤخراً في أدلب، آخر الإرهاصات العتيدة (للجيش الحر) ..

على الرغم من أن هذي الدعوات جاءت قبيل أيام من الإعلان عن تقسيم ليبيا، ثمرة «سلاح الناتو الثوري» ضد نظام القذافي، الأمر الذي حذر منه القذافي نفسه قبل سقوطه مراراً وتكراراً لكنه أُتهم بالكذب والتهويل في حينه، على مبدأ «الراعي الكذاب»- فقد انقلب عليه فساده واستبداده في تلك اللحظة- على الرغم ذلك، مازالت الكثير من قوى المعارضة اللاوطنية تتلقف هذا النوع من الدعوات على أنه الحل الوحيد لإسقاط النظام، كونهم غير قادرين على مصافحة نظام تلوثت يداه في الدماء، في حين أنهم يرتعون في أحضان الغرب، المشبعة دماءً، والمتورط في أكثر المجازر شناعة في المنطقة والعالم، من العراق إلى ليبيا وأفغانستان وفلسطين ولبنان ورواندا ويوغسلافيا... ألخ، ناهيك عن أن شعار «لا للحوار» الذي رفعوه كان سببا أساسياً في استمرار إراقة الدماء، ناهيك عن أنهم هم أنفسهم تلوثت أيديهم بالدماء، مذ حسموا أمرهم بالتسلح، ودعم (الجيش الحر)، ليس الآن فقط كما يحاولون أن يوهمونا، بل قبل شهور عندما أقحموا السلاح في صفوف المظاهرات السلمية المشروعة...

إن تلك المعارضة تسعى إلى جر الحركة الشعبية إلى مأزقها هي، المتمثل في أنها كونت نفسها على قياس التدخل الخارجي العسكري، كسلطة بديلة عن النظام، على غرار معارضة أحمد الجلبي، لذا فإنها ومع تراجع التدخل العسكري بفضل الفيتو الروسي- الصيني، ومع تراجع دورها نتيجة لذلك، تسعى إلى تثبيت مواقعها بقوة السلاح إلى أن تحين ساعة التدخل العسكري، وهي تحاول أن تستغل الحركة الشعبية في ذلك، عبر محاولات تسليحها ممطرة  إياها بالوعود الديمقراطية والحرية..

 النظام كعادته يستفيد من الريع السياسي الناتج عن مستوى التدخل الخارجي، دون أن يستغل هذا الريع في التسريع بحل الأزمة داخلياً، وتطهير نفسه من قوى الفساد التي تشكل كتلة أساسية من المؤامرة على البلاد، بل يتعامل مع موضوعة التسلح، عبر الضغط أكثر فأكثر على البيئات الحاضنة للتسلح، بدلاً من كسبها أو تحييدها عنهم، عبر حل سياسي شامل.. ففي بداية الأزمة واجه النظام إحراجاً جدياً بالتعامل مع الأزمة كونه يعاني ضعفاً سياسياً تاريخياً في التعامل مع مطالب الجماهير، ولم يستطع استيعاب المظاهرات السلمية سياسياً، فاهتزت صورته في أعين الملايين من السوريين، ولكن مع إرتفاع درجة التسلح أصبحت إمكانية مواجهة الحراك أسهل بالنسبة له، كونه يجيد الحلول الأمنية أكثر من الحلول السياسية، ناهيك عن بروز ممارسات المسلحين، وعمالة تفقأ العين من جانب مجلس أستنبول وبعض قوى المعارضة، بالمختصر انقلب السحر على الساحر واستفاد النظام من رعونة وعمالة وتسلح بعض قوى المعارضة...

في المقابل تتعالى الأصوات الرافضة للعنف، والداعية للحل السياسي في مختلف الأطراف في سورية، في المعارضة الوطنية في الداخل وفي النظام وفي الحركة الشعبية وفي المجتمع عموما، بما يعيد الفرز في الإتجاه الصحيح، وأصبح هؤلاء يشكلون قوى جدية تدعو للتغيير الوطني الآتي من الداخل، والمعادي للمخططات الرامية للنيل من سورية كياناً وشعباً، فالحرص على سلمية الحراك من جانب المعارضة الوطنية، وقوى هامة في الحركة الشعبية، وسعي بعض القوى النظيفة في النظام وخصوصاً قاعدته الاجتماعية على الإصلاحات ومكافحة الفساد ، هو خطوة باتجاه انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة في سورية، وبما يغلق الباب أمام قوى الثورة المضادة الموجودة في النظام والمعارضة والحركة الشعبية..

اليوم وبعدما ظهرت الكثير من النتائج الكارثية والمدمرة للتدخل العسكري الخارجي في العراق وليبيا، هل ستكون سورية ساحة «للحرية» الغربية كنموذج للقتل والموت والإحتراب والأسلحة والعنف..؟ أم ستصبح ساحة للديمقراطية الوطنية، كنموذج إبداعي خاص يقلب الطاولة على مخططات الغرب، وأذنابهم من دعاة التسلح في المنطقة، ومراكز الفساد في الدولة والمجتمع؟                                            

معلومات إضافية

العدد رقم:
543