خطورة «العسكرة».. والحلول المطلوبة

منذ استخدام روسيا والصين «الفيتو» المشترك لمرتين متتاليتين في مجلس الأمن ضد التوجه الأمريكي والأوروبي والرجعي العربي نحو تهيئة المناخ لتدخل عسكري أجنبي في سورية، نلاحظ تصاعد الهجوم السياسي والدبلوماسي لروسيا والصين على الساحة الدولية لفرض قواعد جديدة في العلاقات الدولية، تنهي السيطرة الأمريكية على الأمم المتحدة، وتفتح الطريق واسعاً أمام تغيير موازين القوى في العالم، ليس في مصلحة المخططات الامبريالية والصهيونية.

ومن هنا فإن المعركة على سورية وحولها تتجاوز بعدها المحلي والإقليمي، وتأخذ بعداً دولياً سيتوقف على نتائجها ليس مصير وتطور المنطقة الممتدة من جنوب وشرق المتوسط وحتى بحر قزوين فحسب، بل مصير المصالح الإستراتيجية للامبريالية العالمية، وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.

وعلى هذا الأساس يجب فهم النشاط السياسي والدبلوماسي المكثّف لموسكو وبكين وقلقهما المشروع إزاء الوضع في سورية، ودعوتهما دائماً إلى حل الأزمة في سورية سلمياً، ومن خلال الحوار بين المعارضة الوطنية الحقيقية وبين النظام بعيداً عن التدخل الاستعماري الخارجي، مع ضرورة وقف العنف وسفك الدماء  السورية التي أريقت في غير مكانها، الشيء الذي يهدد وحدة البلاد أرضاً وشعباً.

لذلك رحبنا منذ البداية بالدور الروسي والصيني الهادف إلى حل الأزمة الوطنية العميقة في سورية حلاً سلمياً وبأيدي السوريين أنفسهم، وقد انتقل الجهد الروسي والصيني المتعلق بالأزمة إلى صياغة مبادرات ملموسة «المبادرة الصينية نموذجاً»، وهذا يعني انتقال المبادرة على الصعيدين الدولي والإقليمي من أيدي أعداء سورية إلى أيدي أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين، مما يعكس تغيراً كبيراً في الوضع الدولي لمصلحة شعبنا منذ بداية الأحداث في سورية وحتى الآن، ومن بين ما نصت عليه المبادرة الصينية أنه «يجب على الأطراف المعنية في المجتمع الدولي الاحترام الكامل لاستقلال سورية وسيادتها ووحدتها وسلامة أرضها واحترام حق الشعب السوري في اختيار النظام السياسي والطريق التنموي بإرادته المستقلة، وتهيئة ظروف مؤاتية وبناءة لإطلاق الحوار بين الأطراف السياسية السورية، واحترام نتائج الحوار. لا توافق الصين على التدخل العسكري ضد سورية أو فرض ما يسمى بـ«تغيير النظام»، وترى أن فرض العقوبات أو التهديد بفرضها لا يساعد على حل المسألة سلمياً...».

إن المواقف الآنفة الذكر تتجاوب مع المصلحة الوطنية العليا لسورية، وتشكل فرصة تاريخية يجب عدم إضاعتها، لأنها تشكل طلقة قاتلة بوجه الداعين إلى عسكرة المعارضة من أمريكيين وخليجيين ودول إقليمية أخرى، وحرف الحركة الشعبية السلمية عن أهدافها ومطالبها المشروعة.

من هنا بات مطلوباً من النظام أكثر من أي وقت مضى، الدفع باتجاه الحل السياسي الجذري الشامل والسلمي المتدرج، عبر تهيئة المناخ الضروري لبدء حوار وطني لا يستثني أحداً إلا أولئك الذين ارتبطوا بالمخططات الخارجية ويستدعون التدخل الخارجي ضد الوطن والشعب، وهذا يعني وضع الأساس لمصالحة وطنية كبرى بكل مفرداتها، بدءاً من وقف العنف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين ممن لم تتلوث أيديهم بدماء الشعب، ومحاسبة كل من ساهم بإراقة دماء الأبرياء، ومحاسبة قوى الفساد التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، والقطع الكامل مع النهج الاقتصادي السابق الذي ألحق وما يزال يلحق أكبر المخاطر بالاقتصاد الوطني، وأفقر الملايين من شعبنا لمصلحة قلة قليلة من طواغيت المال المشكوك بوطنيتهم والذين لا زالوا يعيقون الوصول إلى خروج آمن من الأزمة، ويراهنون على إمكانية التدخل الأجنبي حتى ينجوا من العقاب، ويحموا مصالحهم على حساب الوطن والشعب.

إن المصلحة الوطنية العليا لشعبنا تقتضي أن تكون حلول الأزمة السورية وطنية خالصة تتناسب مع عمقها وخطورتها على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، لذلك يجب أن تكون شاملة وليست جزئية، استباقية وليست متأخرة، جذرية وليست شكلية، وهذا ما يؤمن الخروج الآمن من الأزمة ويحفظ كرامة الوطن والمواطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
543