الولاء والبراء.. ثنائية حقيقية أم بكائية وهمية على أطلال الهيمنة؟
البراءة والولاء.. أي المعارضة والموالاة، هل هي ثنائية حقيقية، أم بكائية وهمية على أطلال الهيمنة ورغبتها والصراع عليها.. وأين تكمن الحقيقة فيهما؟
البراءة ممن والولاء لمن..؟ للأشخاص والمصالح أم للشعب والوطن.. ؟ وهل حقيقتهما مطلقةٌ أم أنها نسبية مرتهنة بالزمان والمكان..؟
أين تختفي هذه الحقيقة التي نبحث عنها ونسعى من أجلها والتي خرج أرسطو يبحث عنها في النهار وهو يحمل مصباحه..و(الحقيقة الغائبة) التي بحث عنها الكاتب المصري التقدمي فرج فوده ودفع حياته ثمناً لها واستشهد، كما استشهد المفكر حسين مروة على أيدي قوى الظلام لأنه نزع إليها، والتي من أجلها حُرِق ابن المقفع واتهم بالكفر والزندقة..
هل هي التي ينادي بها أنصار الأخويات الصهيونية والاخوانيات ونُكفّر من أجلها وسنُحرقُ وستحرق صُحفنا ، كما حرقت كتب ابن رشد.. على أيديهم وأيدي العدو الخارجي والداخلي الذي يريد أن يعيدنا إلى العصر الحجري وأن تسقط دمشق كما سقطت الأندلس أو ان تحرق.. ويحترق الوطن والشعب في هولوكوست حقيقي .. وليس وهمياً..
خلال الأزمة بانت الهشاشة المعرفية أمام الضخ الإعلامي المعادي والرسمي الذي يشوه الحقيقة ..الحقيقة التي يظنون، ويتستر الكثيرون خلفها نتيجة ضعفهم واستضعافهم وتهميشهم المتعمد عبر عقودٍ وسنواتٍ من التيه.. بأن يعلنوا ولاءهم للنظام وأحياناً مخالفين حتى قناعتهم ورؤاهم الفكرية البسيطة وحتى الواقع، بل منهم من صار ملكياً أكثر من الملك نتيجة العجز المترسخ، وأن يكون موالاةً مطلقة يدافع عن القتلة والمجرمين من اللصوص والحرامية والفاسدين كمن يدافع عن محاولة قتل يوسف وإلقائه في الجب، وأن الذئب هو القاتل.. وفي ذلك لا عجب.. فهم يعتبرون أنفسهم شركاء لينابهم شيء من الغنيمة بينما هم لا يعاملون إلاّ كضباعٍ على مائدة الذئاب، والمصيبة أنهم يكابرون وما زالوا لا يخجلون..
كما بان الآخرون الذين يدّعون أنهم الضحية وبراءتهم مما يحدث كبراءة يوسف من إغواء زليخة..ويتباكون بدموعٍ.. ويدعون أنهم معارضة، بينما هم ضالعون في التآمر والمؤامرة كيهوذا الاسخريوطي،وأنهم هم من ساهم في صلب المسيح، ويتجاهلون عن عمدٍ أن قميص يوسف قُدّ من دبر،علماً أنّ عدداً كبيراً منهم قُدّ قميصه من حرير الفساد..وأنهم من الارستقراطية الجديدة التي جيرت الدعوة للعدالة والمساواة والحرية لمصالحهم، ويشاركون في الجريمة وولغ الدماء ويرفعون قميص عثمان مطالبين بالقتلة.. والويل والثبور لكل من يجافيهم ويريد كشف الحقيقة..أو يحاول كشفها.. فهو من أصحاب الولاء.. ومن يحاول أن يتحدث ويُسمي الأشياء والوقائع بمسمياتها هو بنظرهم مع المجرم والقاتل، بينما يمنحون صكوك البراءة والغفران للامبريالي والصهيوني والقاتل الحقيقي الذي يستقوون به، الذي يسرح ويمرح ويرتع ويقتل ويخرب كما يشاء تسانده جوقات من أصحاب العمائم والعباءات المذهبة الذين يتربعون على عروشهم تثقلهم كروشهم،وينعمون بما لذّ وطاب من المأكل والشراب، ويستمتعون بالحوريات والولدان المخلدين، ويستمعون إلى قِيان يهوذا وهن يُنشدن لهم مزامير العهر والكفر، ويرددون آيات شيطانية للقتل والطائفية، ويُغضون البصر عمّا يجري عندهم وحولهم..ويقدمون القربان تلو الآخر من الفقراء والمستضعفين في الأرض الذين قال عنهم ربهم:
(ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم الأئمة ونجعلهم الوارثين ) سورة القصص الآية 5
تلك هي بداية من (قصة) وطنٍ وشعبٍ له تاريخه وحضارته وتضحياته ويستحق أن يعيش بكرامةٍ..إنها ليست أسطورة.. إنها حكايةٌ واقعية من تراجيديا ثنائية وبكائية المعارضة والموالاة والطرفان صِنوان، والسجال الوهمي حول من كان السبب وأيهما أسبق الدجاجة أم البيضة..السجال الذي يصبّ الزيت على النيران المشتعلة مما يزيدها اشتعالا.. بدل أن يفكروا أولاً بإطفاء الحريق وإنقاذ الأرواح البريئة والخروج من الأزمة بأقل الخسائر..ويأتون إلى كلمة سواء (الحوار) لتحقيق التغيير الديمقراطي الجذري والشامل، ويساندون مارد الفقراء والمستضعفين الذي خرج من قمقمه بعد عقود، وهو يقول للوطن لبيك.. لبيك ولا أحدٍ يسمعه، كلمة يرهبون بها العدو الذي يقمع ويستغل الشعوب ويكنز الذهب والفضة.. عدو الله ..إله الحرية والعدالة والمساواة الذي يرفض الظلم والقهر والطغيان ..
فهل سنستمر في تقديم القرابين البريئة في كلّ ليلةٍ ونحن نبكي وننوح على وطن نضيعه بأيدينا.. وهل سنحتاج في كلّ يومٍ إلى حكاية، وبالتالي إلى ألف ليلةٍ وليلة.. بينما يبقى شهريار الخارج والداخل يقمع ويفتك بالعباد ويعيث الفساد في البلاد..؟
هل ستبقى الأغلبية نائمة كنوم أهل الكهف ويفقدون إرادتهم ويتجاهلون إرادة الشعب ويقولون (لعم) علماً أنّ لله قوماً إذا أرادوا أراد..؟
أما آن الأوان ليتبين الصامتون الخيط الأبيض من الأسود ويظهر الصباح،أم يبقون ساكتين عن الكلام المباح.. ساكتين عن الحقّ، والساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس..؟
أما آن الأوان لرفع الصوت عالياً والجهر بالحقيقة أكثر والاعتراف بها لمن ما زالوا يتكلمون بالهمس ويقولون لمن يرفع صوته من الألم ولو قليلاً:
هص لا يأكلك البس.. ومنهم من يطلق عليه النار عمداً..؟
•هوامش:
- كتاب الحقيقة الغائبة: لفرج فوده. هص = صه والقلب في اللغة العربية وارد
- كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية: لحسين مروة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 542