الإعلام يلتهم المهمشين..
أخذ التطور الاقتصادي- الاجتماعي في بلدان الرأسمالية الطرفية أو ما يسمى ببلدان العالم الثالث شكله الخاص، والذي لم يتطابق مع شكل تطور المركز الرأسمالي لأنها كرأسمالية مستحدثة من الخارج لم تستكمل تطورها الداخلي، مما أدى إلى حالة من عدم التوافق مع البنى الاجتماعية لهذه الدول، وهذا بدوره أدى إلى اصطدامها وتضاربها مع الذهنية الخاصة بمجتمعات هذه الدول
المهمشون، الآلاف المؤلفة من الشباب الذين لفظتهم وتلفظهم الرأسمالية الطفيلية والبيروقراطية إلى جحيمها الذي صنعته بأيدي «آلهة» الفساد والقمع، بما يحملونه من طاقة وحيوية واندفاع، وفي ظل الحرمان والقهر الاجتماعي والسياسي الذي يعيشونه، تخلق عندهم بذرة التمرد على المحيط الاجتماعي الذي يأخذ للوهلة الأولى طريق التمرد على القانون السائد، اجتماعياً كان أو وضعياً، وذلك في ظروف الركود العام. إن هذه الحقيقة الواقعية تقودهم وفي ظروف انطلاق الموجات الثورية بالذهاب في تمردهم الى أقصاه، فلا أدوات القمع، ولا سطوة جهاز الدولة، ولا هيمنته، ولا حتى البنى الاجتماعية التي ينتمون إليها قادرة على ردعهم لانهم ببساطة لن يخسروا في تمردهم غير قيودهم، مما يجعل منهم بيئة خصبة ليكونوا عرضة للاستغلال من كل النخب السياسية المشبوهة وذلك في ظل غياب حركة سياسية وطنية فاعلة تؤطر الروح الكفاحية العالية عند هذه الشريحة والنشاط الثوري العفوي لديهم، وهكذا فإن تمردهم في مثل هذه الظروف يجعلهم ضحايا ألاعيب بعض النخب السياسية والتي لاتعبر عن مصالحهم الفعلية. بل يتم توظيفهم لتحقيق مصالح هذه النخب من خلال الاستغلال المفضوح للبنية النفسية والحالة الانفعالية التي يختزلون فيها كل ما يحملونه من عواطف ومشاعر واحاسيس. ولأن الإعلام كان لاعباً أساسيا في الميدان بعد انطلاق الحالة الثورية الراهنة فأصبح هو الموجّه ومكوّن الوعي عند قسم هام من هذه الشريحة بسبب حالة الفراغ السائدة، والخواء الثقافي والروحي وفي ظل عدم تكافؤ القوى بين المنابر الإعلامية الوطنية المستقيلة أو المقالة من أداء الدور المنوط بها، وبين إعلام البترو ـ دولار العربي، فأصبحت القنوات الفضائية العربية والناطقة بها هي الموجّه، ولسان حال قسم كبير من هذه الفئات التي تملأ الساحات بأصواتها الهادرة ضد الظلم والطغيان، ومع الدور الذي يلعبه تجار الأزمات وثوريو اللحظات الأخيرة ومثقفو المقاهي، والذين يقودون الثورة من خلف الكيبورد فقط، دون أن يكون لهم علاقة بالواقع وتنافضاته وتوازناته، مع ذلك يكتمل تيار التأثير السلبي على بنية هذه الموجة الثورية مرة من خلال تحميلها ما لا طاقة لها به، ومرة من خلال التعالي عليها، وأخرى من خلال ادّعاء تمثيلها والتباكي على ضحاياها، وبسبب جملة التناقضات آنفة الذكر من الممكن أن تكون هذه الشريحة ذات طاقة ايجابية أو سلبية حسب تطور وعيها، والظروف المحيطة بها.
إن دخول الفئات الأكثر جذرية وتحديداً العمال والمنتجين عموماً على خط النشاط السياسي، هو ما سيؤمن تحرر الفئات المهمشة من قبضة المتلاعبين بها وبدمائها، وإن تبلور حركة سياسية نظيفة من أمراض الماضي كفيل بإعادة الصراع إلى سكته الحقيقية.
إن هذه الفئات لن تظل ألعوبة تستهلك لمرة واحدة وترمى بعد ان تنتهي فترة استعمالها، ستجرب كثيراً وفي كل تجربة ستُصقل ثم يعاد صقلها من جديد، وستنتظم وتنظم نفسها لتصبح قوة نوعية حقيقية فاعلة تذهب إلى النضال من أجل تحقيق مطالبها المشروعة والتي طال انتظارها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 542